أوقيّة "كباب".. عند القصاب "الظاظا"
على ذكر "أبو العَيْران" في "السويقة" المجاورة لبيت الطفولة في "زقاق الزهراوي" بحلب، وفيها القصابان "محمد ياسين" و"الظاظا"، رأيت من التعليقات من يعرف السويقة والظاظا، الذي كان أجيره يحمل الطلبات إلى البيوت، يقطع المسافات بخطواته الواسعة والقدمين الحافيتين، و"الأنكري" على رأسه.
استدعى ذلك عندي سالفة لطيفة تعود إلى خريف العام 1946.
ذلك أننا كنا نحن الفتيان الثلاثة، من الأقارب، أكبرُنا "محمود" والتالي "عبد البديع" وأنا، ولا يتجاوز الفارق في الأعمار السنوات الثلاث.
اتفق أن عَهِدت الأسرة لنا بأن نتسوّق غرضا ما، ثمنه ثلاثون ليرة (بعملة زمان يرحمه الله!). فلما ذهبنا لشرائه تحصّل لنا وفرٌ مقداره ثلاث ليرات سورية. ولم نحتر في أين نذهب بها... خطر لنا، وقد أثار البرد فينا الجوع، أن نتوجه حالا إلى القصاب "الظاظا" في السويقة، التي كنا قد انتقلنا من تلك الحارة إلا أنها ظلت مسكونة فينا.
دخلنا محلّه، وكان ذا سعة، طلبنا ثلاث أوقيات من الكباب، قُدّمت لنا مع "البيواظ" (مفروم البقدونس مع البصل)، وما فاتنا أن نطلب "تقْلي" عيران من عند أبو العيران (والتقلي هو الإبريق الزجاجي يوضع على المائدة للشرب، وفي مصر يسمونه "الشَّفْشَق")، وأكلنا، وضحكنا، فقد كان الغداء منحة هبطت علينا من حيث لا نعلم.
محمود، وهو أحد أعمامي من أمّ مصرية، عاد إلى وطنه وفيه عمل وعاش وأنجب. سألته عام 2007 وأنا في مصر عن هذه الواقعة، فإذا هو يذكرها بتفاصيلها مثلما أذكرها الآن، وهي بالنسبة إليه من ذكريات الوطن، وطن أبيه جدّي "الحاج سليم السباعي"، ذكرها لي في حالة وجد وحنين.
قضى محمود بالقاهرة عام 2008، وتأخّر عنه عبد البديع إلى 2014.... وأنا أنتظر.
وسوم: العدد 714