الجِهَــــــــــــادُ
كتب إليَّ أحد المتابعين يقول:(يا دكتور حامد في رسالة لك سابقة بعنوان التاريخ المشرق ناشدت الناس قائلاً:هلا علّمتم أجيالكم ونشأتموهم على أن الحرب خيارٌ استثنائيٌّ مكروهٌ ينبغي أن يزول مع زال مبرراته..وهنا أسألك يا معالي البروفيسور المحترم بأي وجه ستلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وأنت تخالف وتعصي هديه حيث يقول صلى الله عليه وسلم:الجِهَادُ مَاض إِلَى يومَ القيامةِ) فقلت للأخ المتسائل:فإنني أؤكد لسيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليومَ ويومَ ألقاه إن شاء الله وبرحمة من الله إيماني ويقيني الجازم بأن"الْجِهَاد مَاض إِلَى يَومَ القيامةِ"وإني لأرجو الله تعالى أني يثبتني على هذا اليقين ما حييت وأن يُميتني عليه وأن يحشرني به تحت ظل عرشه جلَّ جلاله يوم لا ظل إلا ظلُه..أم أنت وأمثلك يا أخي الفاضل فعليكم أن تفقهوا:أنَّ الجهادَ مصطلحٌ قرآنيٌّ لَمْ يُعرف في الثقافات البشريَّةِ قبل الإسلام..والجهادُ يعني:بَذْلُ كل جهد ممكن لتجلية سبل الحق الربانيَّ وبناء الحياة العادلة وتحقيق الأفضل والأكرم لحياة الناس وباقي المخلوقات..والجهادُ دعوةٌ ومحاجةٌ وبيانٌ وبلاغُ بالحكمة والقول الحسن بل والأحسن..وأول آية ذُكِرَ فيها الجهادُ هي قوله تعالى:"فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِه(ِأي القرآن(جِهَادًا كَبِيرًا"أي بالحوار والمحاجة..لأن الإسلام يُجلُ العقلَ ويُعظّم من شأنه ويعتمد سلامته شرطاً أساساً لمعرفة الحقيقة واليقين الخالص والإيمان الصادق بها لقوله تعالى:"أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"والجهاد له وسائل حكيمة متنوعة منها البلاغ والبيان والحوار والتعارف والتفاهم..وله وسيلة استثنائية مكروهة ممقوتة هي السنان والقتال لقوله تعالى:"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ"ومبررات القتال:البغي واعتداء الآخر على المسلمين بالقتال لقوله تعالى:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"ولقوله تعالى:"فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ"ويزول هذا لاستثناء بزوال أسبابه ومبراته لقوله تعالى:"فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ"ومن وسائل الجهاد الدائمة في الإسلام التعاون والتضامن والتحالف والتدافع بين أهل الحق والعدل..لمقاومة أهل الباطل والظلم والبغي والعدوان..ولقهر نهجهم وعدوانيتهم وصرف فسادهم وإفسادهم عن الأرض بكل الوسائل المشروعة ومنها القتال لقوله تعالى:"وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ"والإشكال الكبير والأزمة الفقهية المستعصية التي تتسربل بها عقول بعض المسلمين وأرجو ألا تكون حضرتك واحداً منهم:أن جعلوا القتال والجهاد كلمتان مترادفتان متلازمتان لغة واصطلاحاً..؟!والحقيقة كما وضحنا آنفاً غير ذلك تماماً..فالجهاد مصطلح قرآنيٌّ يمثل منظومة حضارية أخلاقية ربانيِّةٌ متكاملة..ندعو المسلمين أن يتأملوا معانيها ويتدبروا جلائل مقاصدها..والتزام قواعد وضوابط أخلاقيات أدائها..وندعو النَّاس كُلَّ النَّاسِ إلى دراسة فقه الجهاد وضوابطه ومقاصده ليستفيدوا من نهجه وقيمه الربانيَّة الإنسانيَّة ورسالته الحضاريَّة الراشدة.
وسوم: العدد 714