العلم يحمي الأمم
أزور اليوم قسم العلوم والتكنولوجيا بجامعة الشلف، باعتباره آخر المحطات قبل الاستفادة من التقاعد العام الماضي، وألتقي ببعض الأساتذة والموظفين، فاستحضرت ملاحظة قلتها لبعض الأساتذة وأعيدها الان مضيفا شرحا وتوضيحا، لما تحتويه من عبر وعظات، وهي:
عملت في الجامعة 25 سنة، وأعرف من يومها وإلى اليوم عددا كبيرا من الأساتذة الجامعيين بمختلف الرتب والتخصصات في العلوم الدقيقة، كـ: علوم الري، والميكانيك، والهندسة المدنية، والفلاحة، والكهرو تقنية، والبيولوجيا، والرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، وتخصصات تقنية أخرى لا تحضرني الان.
وهؤلاء الأساتذة درسوا في جامعات غربية كفرنسا، وبلجيكا، وبريطانيا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وظل الأساتذة طيلة مسارهم العلمي الطويل يزورون هذه الدول لتجديد المعلومات، وحضور الملتقيات العلمية، والتمتع بالسفر إليها ، وما زالوا يفعلون.
والجالس إليهم والمستمع لهم، يرى أدبا وأخلاقا وطنية ودينية، فهم يحبون الجزائر ولا يرضون لها التبعية لأي كان، ولم أسمع يوما أحدهم يتعصب لبلجيكا أو بريطانيا أو كندا، ويتخذها قبلة دون الجزائر، أو يفضلها على الجزائر في ما لا يستحق التفضيل.
وظلوا على لباسهم العادي لم يغيروه، وحافظوا على تقاليد المجتمع الجزائري ولم يستبدلوها، وزاد حبهم للرموز الدينية، والفكرية، والثقافية، وأوصوا طلبتهم بحب الجزائر التي علمتهم وأحسنت إليهم.
ويبقى الواحد والاثنان يخالف كل هذا الأصل الأصيل، وهذا مما يذكر ولا يضر، ولا تخلو منه دولة، ولا فكر، ولا منطقة.
أسأل الزميل الأستاذ الجامعي وهو المتخصص في العلوم الدقيقة: أرى أن الأساتذة الذين درسوا في أوروبا عموما، غير متعصبين التعصب الممقوت الذي يخرج صاحبه عن الطبيعي من الأقوال والأفعال، ثم إنهم محافظين على دينهم، ولغتهم، ولا يقبلون الذوبان في الاخر الأوروبي رغم أنه الأقوى والأحسن في عدة نقاط . يجيب الأستاذ: ذلك راجع لطبيعة الغربي وطبيعة التعليم في الغرب. فالغربي بشكل عام يقدم لك المعلومة العلمية المحضة دون أن يسأل عن دينك، ولغتك، وجنسيتك، ولونك، وهذا هو سر تفوقهم، وهو الذي يدفع الزائر، والطالب، والأستاذ، والباحث إلى الاستفادة منهم وعدم الذوبان في حضارتهم، والاعتزاز بما يملك من ماضي ، وعادات، ودين، وتقاليد، ما يجعله أكثر إحتراما لكل من يعلمه حرفا لكن لا يجبره أن يكون له تابعا وعبدا.
الغرض من إرسال الطلبة الجزائريين إلى دول غربية أو عربية، هو الوقوف على الجديد الذي يملكونه في مختلف ميادين الحياة، والاستفادة منها بالقدر الذي يرفع ويزين، والمحافظة في نفس الوقت على ما يملكه المرء من جذور عميقة تستحق منه الرعاية الدائمة، والسقي المستمر بما يناسب من كمية نوعية، وإبعاد ما يضر الجذور مما يحيط بها، مقيما أو وافدا.
وسوم: العدد 715