تناقضات شرق اوسطية
حين نبحث في المعيات التي تمنطق اي تصرف او حدث او حتى قرار يمكننا من خلال الاستدلالات ان نعي بشكل واضح ماهية المسار الذي يتخذه اصحاب القرار من جهة، والوجهة التي يتخذه القرار من جهة اخرى، وهذا ما يجعلنا في النهاية على دراية بالمحركات والمصوغات والاهداف وحتى المساعي التي تتبناها الجهات الصادرة للقرار، ولكن في الوقت نفسه حين نعيش وسط دوامة ممتلئة باللامنطق اللاواعي، فنكون وقتها اقرب الى اللاوضوع من اي شيء اخر، وبعبارة اخرى حين يكون المنطق مبني على اسس كاذبة غير صادقة وغير ثابتة لا مبدأ له وقتها نعيش حالة من الذهول التناقضي الذي لامفر منه ولاحل له ولا حتى ملاح يمكننا تقصيها لاثبات مبدأ او فكر او حتى مذهب ودين له.
على هذا الاساس اننا هنا نثير فرضية التناقض بعيداً عن ازدواجية الشخصية التي سبق وان طرحناها في احدى مقالاتنا، وخلال سعينا لاثبات رؤيتنا فاننا نخص البؤرة الاكثر تناقضاً في وجودها الخرابي الارضي ونقصد بها المنطقة الشرق اوسطية التي يفترض انها منطقة الاديان الرسالاتية وبعض الاديان السماوية وبعض الاديان الاخرى، الا انها بؤرة اللامبدأ واللاثبات والتناقض في الاصل واعتقد بانها تمد البشرية في جميع الاصقاع الاخرى بهذه السمة والصفة المشينة للوجود البشري..لكونها تظهر للعالم اعلامياً وجهاً سمحاً ايمانياً وفي الباطن هي التي تمد العالم بكل ما يمكنه ان يكون دماراً وموتاً.
اذا ما هو التناقض..؟ ، حسب بعض التعريفات المختصرة التناقض هو اختلاف قضيتين في الايجاب والسلب يقتضي لذاته صدق احداهما وكذب الاخرى ، وبعبارة ادق واوضح هو أن يعمد المستدل إلى نقيض القضية (المطلوب البرهان عليها)، فيبرهن على صدقها أو كذبها، فإذا ثبت صدق القضية (النقيض) بالبرهان، يطبق عليها قاعدة النقيضين وهي: (النقيضان لا يصدقان معا ولا يكذبان معا) فينتج كذب القضية المطلوب، وإذا ثبت كذب القضية (النقيض) ينتج بعد تطبيق قاعدة النقيضين. صدق القضية المطلوب. لايتحقق التناقض بين القضيتين الا اذا روعي في كل واحدة منهما ما روعي في الاخرى بحيث يكون السلب رافعاً لما اثبته الايجاب، عندها فقط يكون اختلاف القضيتين في السلب والايجاب مقتضيا لذاته صدق احدهما وكذب الاخرى، لاستحالة اجتماع النقيضين في محل واحد، "بلاشك مثل هذا التعريف يمكن ايجادها في اغلب مواقع التواصل الاجتماعي".
السؤال هو ما يمكن ان نستفيد من تلك التعريفات الاستدلالية عن التناقض وكيف يمكن اسقاطها على البؤرة الشرق اوسطية، وهنا يلزمنا تحديد الهويات او الرقعات التي يمكن الاستشهاد بها لتأكيد المقولة، لذا التعميم افتراضي وليس حتمي، وكي لانبتعد كثيراً عن الموضوع الاصل نعود الى الاستدلالات الحدثية والصورية والشخصية التي تتكاثر يوماً بعد يوم في هذه البؤرة الفاسدة التي افسدها الساسة بمساعدة الشعوب المتطرفة فكرياً ، دينياً، مذهبياً، قومياً، طائفياً، وبالتالي اصبح يضرب بها المثل.
سنبدأ بالمستجدات المعاصرة ضمن الهيلكة التاريخية ولن نخوض في القديم والحديث، انما المعاصر كصورة تكاملية للحدثية السبقية ضمن هياكلها وتقسيماتها التاريخية ، واول ما سنبدأ به هو الهمجية الاردوغانية " التركية" في تعاملاتها مع الواقع الداخلي والخارجي والمؤثر بشكل واخر على المنقطة عموما سواء من خلال تحركاتها العسكرية او حتى تهديداتها الاقتصادية او تلميحاتها الدينية وايحاءاتها المذهبية، فتركيا ظهرت منذ بداية الازمة السورية والداعشية معاً على انها قوة مستعدة لمساندة الاحرار والثوار من اجل ازاحة الاسد السوري، وهنا وقفت موقفاً متضاداً ذاتياً في مضمونه وظاهره، السؤال كيف..؟ ، من تابع الحراك الاردوغاني سيجد بانه من حيث المبدأ وقف ضد روسيا المؤيدة للاسد السوري، وفي الوقت نفسه وقف موقفاً معادياً لبعض فصائل المعارضة السورية بالاخص الكوردية، وحين كان داعش يدمر بقايا الحياة في كوباني كنا نشاهد الدبابات التركية على مقربة من الحدث دون حراك، بل كانت فقط موجودة لمنع اي تقدم كوردي تجاه مناطقها وحدودها، وفي الوقت نفسه وجدنا الموقف التركي تجاه امريكا واضحاً حيث الاوبامية والترامبية الحالية تدعم الكورد في سوريا وبذلك هي على خلاف بذلك مع الحراك التركي الاردوغاني، ومن جهة فان تركيا المعادية لروسيا تكون بذلك قريبة من امريكا التي بدورها لاتتفق مع السياسة الروسية في سوريا، وهنا يبدأ التناقض الحقيقي حيث يتوجب علينا اظهار السلب والايجاب كي نؤكد مفهوم التناقض في الشخصية التركية الاردوغانية التي لامبدأ ثابت لها، ولاقيم لها، حيث تنازلت سياسياً وواقعياً لروسيا، وبذلك ستكون في محل شك امريكي، وظلت تعادي بعض الفصائل الكوردية التي تؤيدها امريكا، وهذه الفصائل بالذات ظهرت في مواقف كثيرة موالية للاسد السوري، وبذلك خلقت عدم توازن في الرؤية، فالاسد مرفوض من تركيا ولكنه مطلوب من روسيا، والكورد مطلوبون من امريكا ولكنهم مرفوضون من تركيا، اذا علينا ان نبحث عن الخيط التناقضي الصريح في الشخصية التركية الاردوغانية لاسيما اننا امام معضلة اخرى وهي الدعم التركي لداعش وللنصرة المتطرفة على حساب الفصائل السورية الاخرى، وتلك الجماعات الارهابية هي في الاساس المحور الذي يتحرك عليه كل من امريكا في بسط نفوذها على المنقطة وروسيا الساعية لتثبيت اقدامها في سوريا بهدف محاربة الارهاب الداعشي والنصري، ومن حيث المنطق لابد ان يتعارض محاربة امريكا وروسيا لداعش والنصرة الخطط الاردوغانية وبالتالي تم اقحام المنطقة في دوامة عنف لاحدود لها، ولازمنية يمكن ان تحدد مدة استمراريتها، ولامنطق يمكن ان يجعلنا نعيش وفق مساره.. لذا نرى بان تركيا اذا كانت لاتعيش التناقض فعليها ان تقوم باثبات الايجاب في سياستها هذه ، كي لانذهب نحن الى السلب المهيمن على مساعيها وحراكاتها والتي هي كلها تؤكد الوجه الكاذب لها على الرغم من التطبيل السني الخليجي لها.
وضمن الصياغات المتناقضة في البؤرة هذه ايضاً، سنجد تقبلاً خليجياً واسعاً للضربة الامريكية على القواعد السورية الاسدية، وتقبلاً تركياً بل وترحيباً تركياً، في حين نجد امتعاضاً ورفضاً روسياً وايرانياً وتطبيلاً عراقياً شيعياً حشدياً لهما من خلال رفضهم للضربة باعتبارها اودت بالمدنيين، متجاهلين الالاف الذي قضوا وفق منطق محاربة الارهاب تحت وطأة الصواريخ الاسدية والروسية والتركية ومشاركة القوات الايرانية بشقيها الجيش الثوري وحزب الله اللبناني في ابادة الجموع البشرية على الارض السورية.
وضمن بؤرة اخرى من البؤر الشرق اوسطية سمعنا العبادي رئيس وزراء العراق يقول في مؤتمره الصحفي انه لولا البيشمركة والكورد لما استطعنا من تحرير اراضينا وكسر شوكة داعش، وفي الوقت نفسه نجد بأن البرلمان العراقي اجتمع في وقت سابق لرفض قرار رفع العلم الكوردستاني على كركوك، التي تركها الجيش العراقي خالية من الحماية بعد هجوم داعش على المنطقة، ولولا البيشمركة الكوردية التي تحمل ذلك العلم في حروبها على داعش وعلى اعداء الكورد لكانت كركوك الان سبية من سبايا الخليفة النكاحي الداعشي ولكان التركمان والعرب السنة بالذات ضمن الهياكل القيادية لداعش " كما هم ابناء الحويجة" او لكانت نسائهم الان سبايا تباع في اسواق النخاسة، لذا حين حماهم البيشمركة كان وقتها مسموحاً بذلك العلم ان يرفوف بحرية وشموخ، وبعدما اطمئن هولاء وركنوا الى الرفاهية الامنية اصبح ذلك العلم ملعونا من قبلهم لانه لايمثل جميع مكونات كركوك العرقية والاثنية كما يدعون، والسؤال هو من اي كوكب انتم يابشر.. واين كنتم حين استباح داعش المنطقة وكادوا يسبون نسائكم..؟.. وضمن النسق الاستدلالالي للتناقض في الوجود الشخصي والطائفي والقومي في المنطقة نستدل بامر واضح المعالم هو ان السنة مدعومون من تركيا والتركمان هم اصلا بقايا السلطة التركية في المنطقة، وهنا تأتي قضية اخرى وهي ان السلطة في بغداد تابعة لايران الشيعية، والمكونات الرافضة للعلم الكوردي في كركوك هم من بقايا السنة المؤدين لتركيا، وتركيا تاريخيا معادية لايران، ولكن التناقض يبدأ هنا، تركيا تقول ان المادة 140 من الدستور العراقي هي الحل وليس رفع العلم حسب القنصل التركي في بغداد، وفي المقابل المساعي الايرانية بواسطة الملعون الاخر المالكي واذنابه من المطبلين له يحاولون تمرير قرار برلماني بانزال العلم الكوردستاني واقالة محافظ كركوك الكوردي، وحين نشاهد هذه المسرحية على ارض الواقع سنجد بوضوح كيف الدمى تتحرك بثبات، مع يقينها بعدم ثبات عقيدة محركيها، فتركيا لامبدأ لها وتعيش حالة من التناقض المستديم في قراراتها وتحركاتها وتصرفاتها وما نراه ونشاهده داخل تركيا نفسها الان شاهد على ما نقول، وفي الوقت الذي نرى بان ايران نفسها تعيش ذلك على البعدين السوري والعراقي، ففي سوريا ايران داعمة للاسد السوري وتركيا رافضة تماما له، وفي البعد العراقي ايران داعمة للسطلة البغدادية وتركيا ترفض التدخل الايراني في شؤون العراق وتؤيد البقايا السنية، وفي الوقت نفسه البقايا السنية التي هي في الاصل لاتعيش في مدنها بسبب تسليمها الى داعش قبل الهروب منها بخطة مبرمجة من قبل الحكومة العراقية السابقة، هذه البقايا السنية هم الان نازحون في كوردستان، ويعيشون بامن وأمان داخل المخيمات والمدن الكوردية، وفي كل يوم يستيقضون فيه يرون ذلك العلم الكوردستاني يرفرف فوق رؤوسهم فيشعرون بالامان لانهم مدركون بان ايادي داعش وحسب ما يقولون الرافضية الحشداوية لن تصل اليهم، ولكنهم في الوقت نفسه يغدرون في البرلمان بمن يحميهم ويأويهم ويقفون ضد ذلك العلم في كركوك.
انها الالية التي يعتمدها الساسة في هذه البؤرة، كي يستباح الكثير من الدماء الاخرى، وكأن التي سفكت لاتكفي طموحهم الغبي المتناقض مع القيم الانسانية التي ينادون بها والحرية التي يقولون بانهم يسعون لخلقها لجميع المكونات على هذه البؤرة، ان التناقض الواضح في الرؤية التي تتبناها هذه الجهات لايمكن انكاره لكونه يثبت وبالبرهان والامثلة والادلة الواقع الذي يعيشونه، وذلك عبر اللامبدأية والصور الكاذبة التي يطروحنها عبر خطاباتهم السياسية الممتلئة بالحقد على الاخر، على الرغم من تبريرها بالغطاء والرداء الديني السمح، فالكذب السلب هو اليقين الذي نحن نجده في كل تحركاتهم وما سبق ان قلنا واشرنا اليه هو البرهان على التناقض لكونهم يظهرون عبر خطاباتهم سمو اخلاقهم وانسانيتهم التي غالباً ما تغلف بالمعطيات المفبركة والادعاءات الاعلامية التي تظهرهم بوجه سمح انساني، وفي الحقيقة ان البراهين تثبت ضلوعهم في كل المصائب التي تلحق بشعوبهم اولاً وبشعوب المنطقة، لانه لايمكن اعتبار اي حراك لهم حراك ايجابي مثمر، انما كل حراكاتهم هدامة تعبث في الخراب وهذه البؤرة وتزيد من عدد الضحايا، وهذا ما يؤكد منطق التناقض لديهم، حيث كذب القضية الاساس لديهم بادعاءات تتمثل الانسانية والشرعية وغير ذلك، في حين يتبعون سياسة التهويل والترهيب والاقصاء والحقد ضد الجميع.
وسوم: العدد 716