من أخلاقيات النَّحو العربي ؛ التَّأدُّب مع الله تعالى في الإعراب....
وفيه أربع مسائل :
المسألة الأولى : ما لم يُسَمَّ فاعلُه.
دأب كثير من المعربين أن يقولوا في إعراب الفعل " أُعِدَّتْ" من قوله تعالى : {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} : {أُعِدَّتْ} فعلٌ ماض مبني للمجهول ، وهذا خطأ فاحش بذيء ، والصواب أن يقال في إعرابه : فعل مبني لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه ؛ إذ الفاعل معلوم ، وهو الله عزَّ وعلا ، ولكن حُذِفَ لعلم المخاطبين به.
ومنه قوله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ، إذ يقال في الفعل " حُرِّمَتْ " مبني لما لَمْ يُسَمَّ فاعله ــــ أيضًا ـــ ومعلوم أنَّ فَاعِلَ هذا التحريم هو اللَّهُ تعالى.
والمسألة الثانية : لا الدعائية .
وهي "لا" الطلبية في الأصل ، ويطلب بها الكف عن شيء، وعن فعله. فإن كان الطلب بها موجهًا مِمَّن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى سميت "لا الناهية" ، وإن كان من أدنى لأعلى سميت: "لا الدعائية" وإن كان من مساو إلى نظيره سميت: "لا الالتماسية ".
هذا ، وقد دأب كثير من المعربين أيضا أن يقولوا في إعراب " لا تُؤَاخِذْنَا" من قوله تعالى : {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(البقرة:286): " لا " ناهية ، وهذا خطأ فاحش بذيء أيضا ؛ إذ الله تعالى لا يُنْهَى ، وإنما يَنْهَى عباده ، والصواب أن يقال : " لا " دعائية ، نعم : الأصل فيها أنها لا الناهية، ولكن تأدبًا مع الله يقال فيها: لا الدعائية، وتُؤَاخِذْنَا : تؤاخذ، فعل مضارع مجزوم بلا وجزمه السكون، ونا: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. فــــــــ "لا" هنا دعائية، وليست ناهية ؛ لأن "لا" الناهية هي التي يكون الأمر فيها من الأعلى إلى الأدنى، وأما "لا" الدعائية فهي بعكسها، يكون من الأدنى إلى الأعلى، ومنه قوله سبحانه: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[آل عمران: 8] ، ومنه أيضاً قول الله تعالى {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10]، فــ " لا " في الآيات السابقة دعائية لا غيرُ ؛ لأنه لا يصح أن نقول بالنهي بين المخلوقين وخالقهم.
ومنه قول القائل : ربي لا تجعلني شقياً، ولمَّا كان النهي هو طلب الكف عن فعل شيء ما على وجه اللزوم وعلى وجه الاستعلاء؛ فهذا لا يتفق مع ِشأن الله تعالى.
والمسألة الثالثة : "لام الدعاء" .
وهو "لام الطلب" الجازمة المختصة بالدخول على المضارع، وتسمى: "لام الأمر" إن كان الأمر بها مِمَّن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى، و"لام الدعاء" إن كان من أدنى لأعلى، و"لام الالتماس" إن كان من مساو لنظيره.
هذا ، وقد دأب كثير من المعربين أيضا أن يقول في إعراب " لتغفر " من قول القائل : ربِّ لِتغفرْ لي " : اللام : لام الأمر ، والفعل المضارع مجزوم ، وقولهم في هذه اللام لام الأمر ، خطأ فاحش بذيء أيضا، والصواب أن يقال: لام الدعاء تأدبًا مع الله ؛ لأن الله تعالى لا يؤمر أيضا.
ومن أمثلة لام الدعاء قوله عزَّ وعلا : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف], فـــــ " يقض " فعل مضارع مجزوم بعد " لام الدعاء" ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة.
والمسألة الرابعة :النَّصب على التعظيم .
من أخطاء المعربين أن يقولوا في إعراب لفظ الله تعالى ، إذا وقع في موقع المفعولية : مفعول به ، وهذا خطأ فادح شنيع ؛ ذلك لأن الله عزَّ وعلا لا يفعل به شيء ، ومن ذلك إعرابهم لفظ الجلالة في قول الشاعر :
أستغفر اللهَ ذنبا لست محصيه
مفعولا به منصوب ، والصواب أن يقال : "لفظ الجلالة" اسم منصوب على التعظيم.
ومنه قول الشاعر :
رأيت الله أكبر كلِّ شيء ... محاولة وأكثرهم جنودًا
فلفظ الجلالة " الله " منصوب على التعظيم، على أنه المفعول الأول ، و" أكبر " مفعول ثان للفعل " رأى".
ومنه قوله تعالى : {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، فالاسم الجليل منصوب على التعظيم.
هذا ، وآمل من جميع المعلمين أن يعلموا الصبية كيف يتعاملون في الإعراب مع اسم الله تعالى حسب موقعه في الجملة العربية
والله أعلى وأعلم .
وسوم: العدد 716