مالك بن نبي والمسألة اليهودية
نفهم من كتاب «مالك بن نبي» عن «المسألة اليهودية» أن ثمة تواشجاً بنيوياً بين الصهيونية وبين اوروبا المنفلتة من ظلام عصورها الوسطى. وأن لليهود سيطرة على اوروبا واميركا في شتى مجالات الحياة وان «اسطورة اليهودي التائه» استقرت على «واقع اليهودي المتمكن» الذي يتحكم اليوم بالسياسة والاقتصاد ويبسط ظله على الاداب والفنون ويوجّه الضمير العربي كيف يشاء.
كما نفهم من كتاب «مالك بن نبي» هذا ان للماسونية احكاماً لا ترد عند زعماء اوروبا (وذلك ما نراه في اطار واحد مع غلبة «القبالا» على النخب الاكاديمية» وان الصهيونية اصبحت جزءاً حميماً في البنية الشعورية والعقلية للغرب. وأن هذا الغرب لا يتواطأ مع الصهيونية فيما تحاوله من اقتحام المشرق العربي الاسلامي, ولكنه «يتماهى» معها.
تلك هي الاطروحة الرئيسة في كتاب المفكر الجزائري الذي انتهى منه اوائل خمسينيات القرن الماضي, ثم صدر في منتصف السبعينات او بعد ذلك, بعد أن ظل حبيس الادراج اكثر من خمسة عشر عاماً..
من اجل ذلك يخطئ من يتصور إمكان التعامل مع اوروبا واميركا بمبعدة عن هذا الولاء الروحي الحميم بين الصهيونية وبين القوى الغربية, كما يخطئ من يؤخذ بدعاوى الحريات وحقوق الانسان والديمقراطية التي يواري بها هذا التماهي الصهيوني/ الغربي سوءاته او يخدع بها العرب والمسلمين وسائر امم الارض عن مآربه ومطامعه وسائر جرائمه وموبقاته.
إن هذا الذي نقوله هنا مفهوم معلوم لدى رجال الفكر ورجال السياسة في العالم العربي وانهم ليتغافلون قصداً عنه لأسباب نعرف بعضها ونضرب صفحاً عن بعض, لكن محصّلة ذلك كله هو الوقوع في التباس الحال وغموض المآل, واضطراب الاقدام في رمال وعساء لا تثبت لحظة لمن يتخوّضها.
وعلى ما في الاعتراف بهذه الحقيقة من اسباب الاسى والغضب في آن, فإن فيه دافعاً الى اعادة النظر في طبيعة العلاقات بيننا نحن العرب والمسلمين وبين هذا الغرب المتماهي مع الصهيونية, وهي اعادة نظر يمكن للمفكر القيام بها على حين يعجز السياسي عنها, الامر الذي قد تكون جدواه غير ظاهرة اليوم وإن كان لا بد من ظهورها بعد حين, لما نعلمه من ان الفكر هو اول العمل. وأن ما لا يستطاع في لحظة ما يستطاعه في لحظة بعدها قادمة. والعبرة, في كل حال, بارادة الوعي, ورحم الله مالك بن نبي على ما بسط في «المسألة اليهودية» من حقائق, وعلى ما اعطى فأوفى لأمته من ايادٍ حسان.
وسوم: العدد 719