الإخوان والوطنية

كتب البعض يشكك في وطنية الإخوان المسلمين، وفهمهم لمعنى الوطنية والتي قصروها على الحزبية فقط، أو القومية المصرية فحسب، غير أن الإمام البنا يوضح فهم الإخوان المسلمين لمعنى الوطنية بمفهومها الشامل فيقول:

يخطئ من يعلن أن الإخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية؛ فالإخوان المسلمون أشد الناس إخلاصًا لأوطانهم، وتفانيًا فى خدمة هذه الأوطان، واحترامًا لكل من يعمل لها مخلصًا، وها قد علمت إلى أى حد يذهبون فى وطنيتهم، وإلى أى عزة يبغون بأمتهم.

ولكن الفارق بين الإخوان وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية الإخوان العقيدة الإسلامية.

فهم يعملون لمصر، ويجاهدون فى سبيل مصر، ويفنون فى هذا الجهاد؛ لأنها من أرض الإسلام وزعيمة أممه، كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها، بل يشركون معها فيه كل أرض إسلامية، وكل وطن إسلامى.

على حين يقف كل وطنى مجرد عند حدود أمته، ولا يشعر بفريضة العمل للوطن إلا عن طريق التقليد أو الظهور أو المباهاة أو المنافع، لا عن طريق الفريضة المنزلة من الله على عباده.

وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط فى أى شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته، ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا..

بل أوضح أن الإخوان يطالبون الجميع بتقديم مصالح الوطن من أجل التصدي للعدو المتربص على حساب المصالح الشخصية، ففي رسالة إلى الملك يوضح الإمام البنا وطنية الإخوان المسلمين بهذا المعنى، وذلك حينما كانت تعرض قضية مصرعلى مجلس الأمن عام 1947م، فيقول تحت عنوان الإخوان المسلمون وتوحيد الصفوف:

فى هذه الساعات الفاصلة فى تاريخ مصر تتجه الأمة بكل تقدير وإكبار لجهود سموكم المباركة فى العمل لتوحيد الكلمة وضم الصفوف على الجهاد لقضية الوطن فى الميدانين الداخلى والدولى، وتنتظر الأمة بفارغ الصبر وصادق الدعوات أن تكلل هذه الجهود بالنجاح والتوفيق، فواصلوها على بركة الله مشكورين والله معكم والتاريخ يسجل لكم..

وفي رسالة المؤتمر الخامس يرد على من يشككون في وطنية الإخوان المسلمين فيقول:

فكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التي هو عليها وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعًا لمواطنيه لأن ذلك فرض إلهي .

فالإخوان أشد الناس حرصًا علي خير وطنهم، وتفانيًا في خدمة قومهم.. فالإخوان يحبون وطنهم ويحرصون علي وحدته القومية بهذا الاعتبار، ولا يجدون غضاضة علي أي إنسان أن يخلص لبلده وأن يفني في سبيل قومه وأن يتمني لوطنه كل عز ومجد وفخار.. الإخوان المسلمون يحترمون قوميتهم الخاصة باعتبارها الأساس الأول للنهوض المنشود، ولا يرون بأسًا بأن يعمل كل إنسان لوطنه وأن يقدمه في الوطن علي سواه..

كما أكد أن الإخوان لا يفهمون معنى القومية البغيض، والشعارات العنصرية مثل مصر فوق الجميع، وغيرها حيث يؤكد أننا جميعا سواء فلا يظلم أحد او يُظلم، فيقول: 

الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية بهذه المعانى ولا بأشباهها، ولا يقولون: فرعونية وعربية وفينيقية وسورية، ولا شيئًا من هذه الألقاب والأسماء التى يتنابز بها الناس، ولكنهم يؤمنون بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل، بل أكمل معلم علم الإنسانية الخير: "إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى".

ما أروع هذا وأجمله وأعدله!

الناس لآدم فهم فى ذلك أكفاء، والناس يتفاضلون بالأعمال، فواجبهم التنافس فى الخير، دعامتان قويمتان قويتان لو بنيت عليهما الإنسانية لارتفعت بالبشر إلى علياء السموات،

الناس لآدم فهم إخوان، فعليهم أن يتعاونوا، وأن يسالم بعضهم بعضًا، ويرحم بعضهم بعضًا، ويدل بعضهم بعضًا على الخير، والتفاضل بالأعمال.

فعليهم أن يجتهدوا كل من ناحيته حتى ترقى الإنسانية، فهل رأيت سموًّا بالإنسانية أعلى من هذا السمو، أو تربية أفضل من هذه التربية؟..

بل لم يقتصر فهم الوطنية الحقيقية على الإخوان، ولم يتهموا احد في يوم من الأيام بأنهم وطنيون وما سماهم غير ذلك، بل كانوا ينسبون الفضل لأهله، غير أنهم كانوا يعلمون ويعرفون المعاني الحقيقية للوطنية لجموع الشعب المصري والذي كانوا يرجون منه الانتفاضة على المستعمر الغاشم، فيقول الإمام البنا تحت عنوان (بيان من الإخوان المسلمين إلى شعب وادي النيل):

فلما أن وضعت الحرب أوزارها، هب الإخوان يفقهون الأمة فى حقوقها، وينبهون الشعب إلى مطالبه المشروعة، ويستنهضون العزائم للعمل على نيل هذه الحقوق، فأصدروا البيانات وعقدوا المؤتمرات، وطلعوا على الأمة فى كل مطلب من مطالبها بمختلف الدراسات، ونادوا بإلحاح أن تنسى الأحزاب ما بينها من اختلافات ومهاترات فتتجمع الأمة صفا واحدا، فلا يجد الأجنبي منفذا من بين هذه الخلافات للمماطلة والمراوغة والتسويف، وأهابوا بأولى الأمر أن يعملوا من جانبهم وبحكم أوضاعهم الرسمية على تحقيق أهداف الوطن ونيل حقوقه المغتصبة..

ثم يقول: ومن كل هذا الذي تقدم يبدو الفرق الواسع بين الوطني والسياسي، الوطني يعمل لإصلاح الحكم لا للحكم، ولمقاومة المستعمر للحصول على الحرية لا ليرثه في السلطة، ولتركيز منهاج وفكر ودعوة لا لتمجيد شخص أو حزب أو هيئة، ولهذا يحرص الإخوان المسلمون على أن يكونوا دائمًا وطنيين لا سياسيين ولا حزبيين.

وسوم: العدد 719