اليوم الذي صدر فيه الحكم باعدام سورية، العاشر من حزيران 1967
إذا وضعنا التفاصيل جانباً ونظرنا إلى مايجري في سورية، لرأيناه وكأنه عملية إعدام لبلد ومن فيه من بشر وحجر. ولكن السؤال يبقى متى صدر هذا الحكم ولماذا؟
كثيراً مانسمع من الدول العظمى المعنية بالمسألة السورية، المحسوبة على النظام أو المحسوبة على الثورة، أن الوضع في سورية معقد وشديد الحساسية لأسباب تتعلق بالأقليات والطوائف والخلافات التاريخية. المطلعون على الأمور يعرفون أن هذه الأقوال إنما هي مجرد (علاك مصدي) بلغة أهل الشام، ذلك أن الأمور الانسانية هي آخر ماتفكر به الدول العظمى حين تصوغ قراراتها. ولذلك استبدل الغرب اسم الثورة بالحرب الأهلية، وجعلها بالفعل تبدو على الأرض كحرب أهلية، كي يبرر أخلاقياً عدم تدخله، وأطلق عليها الشرق والغرب معاً اسم الحرب على الارهاب كي يقولا أن الأولوية ليست تغيير النظام.
في يوم السبت العاشر من حزيران عام 1967، قام حافظ الأسد، والذي كان وزيراً للدفاع حينها، باصدار البلاغ العسكري الشهير رقم 66 الذي أعلن فيه سقوط مدينة القنيطرة عاصمة الجولان بيد الجيش الاسرائيلي، وأصدر فيما بعد الأمر بالانسحاب الكيفي للجيش السوري منها. وقد ثبت فيما بعد بما لايقبل الشك أن المدينة لم تكن قد سقطت، بل تم تفريغها وتسليمها لاسرائيل من دون معركة. حسب مجريات الأمور، فاني أرى أنه في هذا اليوم بالذات قد أصدرت الدول العظمى الحكم باعدام سورية مع وقف التنفيذ، أو بمعنى آخر، حسب سلوك شعبها مع الرجل الذي سيتم وضعه حاكماً لها مكافأة على منحه الجولان للدولة العبرية الحليفة.
كما سبق وأشرت، فان الدول العظمى لاتهمها المعاناة الانسانية لامن قريب ولا من بعيد، فطالما أن الديكتاتور يلتزم بتعهداته لمن يسروا له الوصول إلى الحكم، فما يفعله في بلده وبشعبه بالنسبة لهم هي (شؤون داخلية) لايرغبون بالتدخل بها. فقط حين تختلف التوازنات والمصالح، نسمعهم يتكلمون عن حقوق الانسان ويفتحون الدفاتر القديمة ويسلطون الأضواء على مجازر اركتبت أمام أعينهم في الماضي دون أن يحركوا ساكن. أما حكم الاعدام على سورية الذي أشرت إليه، فأعتقد أنه صيغ من قبل الدول العظمى على الشكل التالي: طالما أن الشعب السوري يقبل بحكم عائلة الأسد التي أسدت لنا خدمة تاريخية بمنح خزان مياه الشرب في الجولان لحليفتنا إسرائيل، وطالما أن هذا الشعب يقبل بالذل وضيق العيش والفتات، وطالما أنه يصدق أو يتظاهر بأنه يصدق بأنه شعب مقاومة وممانعة، وطالما أنه يوافق على اعتبار أن أفراد عائلة الأسد هم أرباب وآلهة يحق لهم إنزال العقوبات التي يرونها مناسبة به، فحكم الاعدام سيبقى مع وقف التنفيذ، أما إذا ثار، فيتوجب تنفيذ الحكم. تجدر الاشارة هنا إلى وجوب عدم التفائل بقصف (دونالد ترمب) للمطار العسكري التابع للنظام السوري قبل أيام، فالرجل إنما قام بذلك لرفع أسهمه المنهارة داخل بلده ليس إلا، وحين تقرر الادارة الأمريكية التخلص من حاكم، فهي لاتلجأ لحركات (بهلوانية) كهذه وإنما تدخل عليه بنفسها أو بواسطة حلفائها برياً عبر الحدود ومن دون لف أو دوران. باختصار، قرار رحيل الأسد بيد من يشرب مياه الجولان وليس بيد أي أحد آخر فكرسي الحكم في سورية مدفوع ثمنه مقدماً وهي صفقة للأبد، ولهذا يستعمل النظام هذه الكلمة للتذكير.
طبعاً لم يعد لدى النظام أو إسرائيل أي حرج بالتكلم علناً في هذا المعنى، وتصريح رامي مخلوف في بداية الثورة وحديث بشار الأسد أثناء مقابلته الفنان جمال سليمان بعدها، وكذلك التصريحات الرسمية والاعلامية الاسرائيلية ومواقف الدول العظمى من مجازر النظام من تدمر وحماة وجسر الشغور إلى اليوم كلها تؤيد تلك الرؤية. يبدو أن (حقوق سرقة المياه) أقوى من (حقوق الانسان) التي يتبجح بها المجتمع الدولي ليل نهار.
وسوم: العدد 720