المثقفون البرابرة
من النادر والصعوبة بمكان أن تجد أنسانا سويّا وطبيعيّا يؤيد الظلم و البربرية هكذا عاريا.. كأن يقول للناس: أنا أحبّ الشرّْ.. أنا مع الظلمْ والابادة الجماعية. فما بالكْ بالمثقف مِمَن يمتهن الفكر والكتابة!
في الحقيقة يصدمُنا هذا الكم الكبير من المثقفين السوريين والعرب من الذين يؤيدون أو يبررون أو يجمِّلون وجه الطاغية الأسد، ويخفون الوجه القبيح للنظام الأسدي.. رغم أن السلوك الاجرامي والبربري لهذا النظام وبلغة الوقائع و الأرقام شكّل سابقة في التاريخ الحديث، نظام سياسي يستخدم كامل امكانيات الدولة العسكرية ومدعوما بتحالف إقليمي ودولي يشن حرب إبادة وبمنتهى الوحشية ضد شعبه.. شعب صبر نصف قرن على استبداد غاشم، وعندما قام بثورة شعبية سلمية ذات طابع وطني – وبالأخص في الأشهر الأولى - واجهَهُ النظام بالرصاص والاعتقال، ومن ثم ليتدرج النظام من استخدام الاسلحة الثقيلة الى الطيران والبراميل المتفجرة الى صواريخ (ارض أرض) الى الاسلحة الكيماوية الى سلاح التجويع..الخ
قبل الخوض في الحيل الجمالية و المنطقية التي يستخدمها هؤلاء المثقفين البرابرة يجب تعريف المثقف وإبراز السمة الاهم في نشاط المثقفين بشكل عام.
ويمكن تعريف المثقف – بدون تعقيدات – بكونه الشخص المشتغل بالشأن العام , والذي يمارس نشاطه عبر قنوات الكتابة و الصحافة و الاعلام و غيرها.
والسِّمة الأبرز بين هذه الفئة من الناس كونها تمتلك مهارات التعبير والتفكير والمُحاججة ..الخ .
والمثقفون بشكل عام من أكثر الناس قدرة على قول الشيء ونقيضه، يملكون مخزون كبير من المعلومات يستخدمونه بشكل انتقائي لتبرير جهة القول ..و لديهم خبرة في حِيَل القول (و الكلام المعسول) و استثارة المشاعر , لا يتورّع عدد كبير منهم على استخدامها وتوظيفها... وهذا التوصيف السلبي ينطبق على قطاعات ليستْ قليلة منهم.
البوق والبوط والطائفة!
المثقفون البرابرة، مصطلح عابرة للأنظمة و الجماعات، لا تخص فئوية سياسية أو عرقية أو عقائدية واحدة دون غيرها، وسنتناول هنا ظاهرة المثقفين السوريين البرابرة من الجنس الأسدي، من الذين فقدوا البوصلة الأخلاقية، بصفتهم إنسان قبل أن يكونوا مثقفين، وفقدوا فطرة الانتماء إلى الوطن، والتعاطف مع عذابات ومآسي أشقائهم وأبناء شعبهم.
وهؤلاء يمكن تصنيفهم في ثلاثة أقسام بناء على الموقف السياسي الذي يسوقونه
أولاً- مثقّفو البوق: المؤمنين بالقيادة الحكيمة, و بالأسد كزعيم سياسي فوق النقد ويصرّحون بذلك , وهذه الفئة يمكن وصفها بالشعبويّة , وتجسّدها شعارات من قبيل: (الأسد أو نحرق البلد - الله و سوريا وبشار وبس) ونجد لهؤلاء حضورهم في الصحف الرسمية الثلاث والجرائد الخاصة الموالية لهم كجريدة الوطن وفي قنوات الفضائية السورية - الاخبارية السورية – الدنيا ...الخ ولا حاجة لذكر أمثلة فهم أكثر من الهمّ على القلب.
ثانياً- مثقّفو البوط : ونجد ضمن هذه الشريحة قطاعات واسعة من المثقفين السوريين المهمين – و الحقّ يقالْ - على صعيد الانتاج المعرفي ( أحدهم مترجم لأكثر 40 كتاب فكري الى العربية على سبيل المثال )، وقسم كبير منهم من كانوا يصنِّفون أنفسهم بمعارضين قبل الثورة، لا بل و هناك من كان معتقلا في سجون النظام الأسدي كفاتح جاموس وبسام القاضي، ومع ذلك نجدهُ يؤيد النظام الاسدي , بشكل غير مباشر. وهذه الفئة تتحاشى ذكر بشار الأسد و آل الأسد في حديثها , وتبرر دفاعَها عن النظام بأنه دفاع عن وحدة الدولة السورية – دفاع عن الوطن السوري في وجه المؤامرة الكونية - دفاع عن الحضارة في وجه الارهاب الإسلامي والوهابية , والقاسم المشترك لهؤلاء المثقفين هو التغنّي بانتصارات وبطولات الجيش العربي السوري وهُبَل البوط العسكري.
ولهؤلاء حضورهم في صحف مثل (الأخبار) اللبنانية و(السفير) وكذلك فضائيات مثل (روسيا اليوم) و(الميادين). وهؤلاء في معظمهم يستخدمون حُجج عقلانية لتبرير مواقف غير عقلانية وغير متوازنة، قد يكون سببها الخوف أو العامل الطائفي أو الاسلام فوبيا أو بسبب اضطرابات نفسية تفسّرها متلازمة ستوكهولم (هومصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف.)
ثالثاً- مثقفو الطائفة: وهم قلة بالعلن، يبررون موقفهم بأن (ما يسمى بالثورة السورية) تستهدف وجودهم الشخصي أو كعلويين أو مسيحيين .. وبالتالي فإنّهم بوقوفهم مع سياسيا مع النظام الأسدي يدافعون عن وجودهم الشخصي والعائلي والطائفي... وهذه أولوية بالنسبة لهم في هذه المرحلة، وهؤلاء المثقفين أكثر انسجاما مع أنفسهم بغض النظر عن خلافنا معهم و يمكن أن نطلق عليهم (مثقف طائفي) من حيث أنهم يعطون الاولوية لانتمائهم الطائفي.
لماذا همْ برابرة؟!
يورد قاموس المعاني: "هَمجيّ ، وحشيّ، بدائيّ، غير متحضِّر اعتداءٌ / هجومٌ / غزوٌ / شعبٌ / جمهورٌ / بلدٌ بربريّ .
تعبير بربريّ: مخالف للأصول والذوق السليم.
حاكم بربريّ: غير إنسانيّ ، يعمل بوحشيّة وقساوة، بدائي لا نظام له ولا حضارة".
وقد جاء وصفهم بالبرابرة، لكونهم يسكتون أو يبرِّرون أو يحرضون على أعمال همجية و وحشية ضد شعبهم و أبناء جلدتهم السوريين يقفون الى جانب الجلاد والظالم.. ولا يتعاطفون مع مآسي السوريين وعذاباتهم.
لم ينبسوا بكلمة واحد عندما حدثتْ مجزرة الحولة ومجزرة التريمسة و مجزرة اللطامنة ومجزرة كرم الزيتون.. وغيرها كثير من سلسلة المجازر التي راح ضحيتها مدنيون أبرياء.
يتباكون كثيرا على القصف الاسرائيلي على غزة، ويسكتون قصف الطيران الاسدي بالبراميل المتفجرة على الأحياء السكنية والناس الآمنين كنوع من العقاب الجماعي.
نراهم يسكتون أو ينكرون استخدام السلطة الاسدية للأسلحة الكيماوية في ريف دمشق ومع ذلك راحوا يتباكون و ينتفخون وطنية في وقوفهم مع النظام الاسدي أمام التهديدات الامريكية له بحجة السيادة الوطنية، و كأن مفهوم السيادة الوطنية وثنٌ يبرر لهم ابادة شركائهم من الشعب السوري؟! يتجاهلون موت عشرات آلاف السوريين تحت التعذيب وقد جرى توثيقها ونشرها للعلن؟!
يدعون للوحدة الوطنية ؟! أي وطنية هذه التي تبرر لهم الشماتة في مصائب أبناء جلدتهم و إنكار حالهم.. تراهم يسكتون أو يشمتون في أبناء جلدتهم من ملايين اللاجئين السوريين.. عن أي وطنية يتكلمون وعن أي ضمير؟!
يصفون الحراك الشعبي والسياسي المعارض للنظام بالطائفية، حسنا ليكنْ ذلكْ ولكن ماذا عن الطبيعة الطائفية للنظام واستجلاب المليشيات الطائفية وأسواق السنّة؟!
ما قصدته ليس رفض الانتقادات للثورة، أو إدانة ما يجري من انتهاكات من غير طرف النظام الاسدي، أو حتّى التشكيك في كونها ثورة وطنية فهذا رأي ومجال حوار، فما يؤخذ على هؤلاء المثقفين البرابرة ازدواجية المعايير، وغياب الموقف الأخلاقي والإنساني، تجاه جرائم ومجازر إبادة جماعية بحق أبناء شعبهم، جرائمْ قلَّ نظيرها في التاريخ المعاصر للبشرية.
"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ،أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ، وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ " سورة البقرة 74
وسوم: العدد 721