مَعْقدُ الرجاء وموضع الرّهان
لسنا ملزمين بما يقرره اليهودي «سبينوزا» من وجوب ان نستخرج كل أفكارنا من الأشياء او من الموجودات الملموسة، بل نذهب الى ان من يُهرع على آُثار هذه النظرة المادية الضيقة سيكون قد حصر العقل في أفق وطيئ وعطن وبيء. ولا يختلف سبينوزا عن «سامريّ بني اسرائيل الذي أَضل قومه في غيبة نبي الله موسى وصرفهم عن التوحيد الى عبادة عجل ذهبي وعاد بهم من آفاق ملكوت الله التي ينبغي لأنظارهم التطواف فيها الى ظلمة المادة التي يعبدون، والى صنمهم الذي اليه يوفضون.
****
كما اننا لسنا ملزمين بتقرير السبق للمادة على الفكر على ما يقرره اليهودي «ماركس» لأن مجال الفكر هو المعرفة ومجال المادة هو جثوم الكينونة، والمعرفة مبدؤها العقل الذي تكون المادة مناسبة - او سبباً - لفاعليته.
****
ثم إننا لسنا ملزمين بموافقة اليهودي «فرويد» على ما يعوّل عليه من عُقد الثقافة الهيلينية - عقدة اوديب مثلاً - في أبحاثه النفسية، ولا على تعويله على «الجنس» في تفسيره لدوافع الانسان وغاياته.
لقد أراد فرويد ان يقيم نظرية علمية (!) على أسس اسطورية، ولو افترضنا ان المسرحي اليوناني صوفوكليس غيّر مصائر شخصيات مسرحية «أوديب» فجعل أوديب يقتل أمه لا أباه او جعله صعلوكاً في أسواق المدينة، فهل سيضطر فرويد الى تغيير مقابل في نظريته؟!.
لقد كان للقدماء تقسيم معقول حين قالوا بالنفس العاقلة والنفس الغضبيّة والنفس الشهويّة، إذْ لم يقتصروا في تفسير الأفعال على نزوع واحد بعينه، لكن فرويد ضخّم «الجنس» حتى جعله دافع الحياة الرئيس، وهي نظرية بادية القصور الا في تفسير مجترحها، أو تفسير تقييمه الهابط للانسان من حيث هو «بهيمة» او لأبناء البشرية من حيث هم «جوييم» على حد وصف المعجم اليهودي!!.
****
ثم إننا لسنا ملزمين - اذا ما كنا عرباً او مسلمين على الحقيقة - بتقسيم مشرقنا العربي الاسلامي على وفق رغبة اليهودي الصهيوني «برنارد لويس» المستشار الموثوق به لدى الادارات الاميركية المتتابعة كما لم نكن ملزمين من قبل بقبول اتفاقية الصهيونييْن سايكس وبيكو واعتبار الحدود التي رسماها تخوماً لأوطاننا.
****
ونملك، على هذا المنوال، أن نقول بأننا لسنا ملزمين بمضاهأة الفكر اليهودي والأدب اليهودي والفلسفة اليهودية والسينما اليهودية، وكل ذلك مما يجيئنا ملتبساً غامضاً وفي سياقات مختلفة وسرديات خادعة.
****
وقبل ذلك وبعده، فإننا لسنا ملزمين – في المستوى الثقافي الذي نملك الحديث عنه – بقبول ما يقبله السياسيون فنكون طوع رغائب القوى الغالبة في الأرض، بل نحن ما نزال نقول بوحدة الثقافة العربية. وبارتباطها العضوي بالاسلام، وبقدرتنا على ان ندفع عن وعينا كل ألوان التزوير والخداع، وعلى ان نستعيد عافية العقل والروح، فلا نُسْتلبُ بَعْد، ولا ننخدعُ، ولا نهون..
****
إن إلزامنا بُخطّة خِسْفٍ تأباها الأنفس الحرّة لن يكون أبداً.. بيد ان التزامنا بما يحيينا من ديننا وأخلاقنا وأصالتنا الثقافية العربية هو معقد الرجاء وأكرم الإمكان..
وذلكم هو موضع الرّهان..
وسوم: العدد 721