صورة قبيحة لاستغلال القضية الفلسطينية

عجيب هو شأن القضية الفلسطينية، تجعلها دولٌ وحكومات مَطيّةً لتحقيق مآرب شتّى، بعضهم يسعى من خلالها لتحقيق مكاسب، وبعضهم يلْهَج بذكرها للتغطية على فشله.

إيران جعلت القضية الفلسطينية بعد ثورة الخميني صُلب خطابها الديماغوجي لاستمالة الشعوب الإسلامية، وتعبئتها خلف هذه الثورة، لدرجة أن اشتُهرت نكتةٌ متداولة في الشارع الإيراني تقول: سأل أحدهم رفيقه، «لماذا لم يعد يوجد أحجار لرجم الزانية؟ فرد عليه قائلا: وفقا لأوامر المرشد الأعلى، تم شحْن كل الأحجار إلى فلسطين كمُساهمة من إيران في الانتفاضة».

وهناك من الدول العربية من يجعل القضية الفلسطينية وسيلة لضرب الخصوم والمنافسين، من بينها دولة لم نعد ندري كيف تختار أصدقاءها وأعداءها، وما هي مُحدِّدات الصداقة والعداوة لديها، تلك الدولة العربية أطلقت أحد منابرها الإعلامية بهدف النيل من دولة قطر، من خلال القضية الفلسطينية، فأجْرَت تلك القناة استطلاعا للرأي مع عدد من الفلسطينيين لإبداء آرائهم حول فتْح قطر أبوابها للعمالة الفلسطينية.

كان من الواضح أن القناة تخلَّت عن الحبْكة الدرامية اللازمة، وعرَضتْ أقوالا مُتطابقة للفلسطينيين، كلها بلا استثناء تُجْمع على أمرين اثنين:

الأول: اعتبار هذه الخطوة القطرية إسهاما في تهجير الفلسطينيين، وتُظْهر قطر وكأنها تهدف من خلال ذلك إلى تفريغ فلسطين من أهلها وتعزيز المزيد من الشتات.

والثاني: نِقْمتهم على قطر واتهامها بالعمالة لصالح الكيان الصهيوني، بدون الإفصاح عن أمارات ومظاهر هذه العمالة.

ولم تعرِض القناة بالطبع أيَّ رأيٍ يُخالف تلك الآراء، وهو ما يتعارض مع المنطق، فلا يُعقل ألّا يكون بينهم رأي آخر يُثمِّن الخطوة القطرية، أو على الأقل يرفضها دون تجريح في قطر، فإما إنها عيِّنات انتقائية يُراد لها تأْدية دورٍ مُعيّن، وإما أن القناة حجَبت عرْض الآراء الأخرى بُغْية الشغب على قطر.

الشعب الفلسطيني لا يجحد دعم الأشقَّاء، ويعلم جيدا حجم الدعم القطري لوطنه، كما يعلم أن الدولة التي تقف وراء تلك القناة لا تدعم سوى الشخصيات الفلسطينية، التي تُعربِد بملف القضية، وتعيث في أرض العرب فسادا، وتُقيم علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية مع الكيان الصهيوني، تجعلها أوْلى بتهمة العمالة. ولا غضاضة في أن يرفض الفلسطينيون السفر إلى قطر، لكن اتهام الأخيرة بالعمالة للصهاينة – وهو ما ركَّزت عليه القناة- لصالح من؟ قد لا نحتاج إلى تفاصيل الإجابة، إذا استحضرنا الأدوار المشبوهة لتلك الدولة التي تُموّل القناة، فهي قد أخذت على عاتقها دعم الانقلابات، ورعاية الثورات المضادة، لما يعرف بثورات الربيع العربي.

تُحارب النُّظم الديمقراطية خوفا من انتقال عدواها، وتدخل مع جيرانها في علاقات تنافسية غير شريفة، حتى في الملفات التي تُظهر فيها التوافق مع دول منطقتها، وتسعى لتنفيذ أجندتها دون مُراعاة السياق الإقليمي العربي.

الدولة المعْنية لم تكتَف بعرقلة التحالف العربي في اليمن، ودعمها لقادة دعوات الانفصال الجنوبي، ولا بمحاولات سحب البساط من تحت أقدام التيار الديني السعودي، برعاية شبكة مُنافسة للتصوف السياسي. امتد نهجُها في التنافس غير الشريف مع السعودية إلى قطر، وقامت بتسييس أموالها لخدمة طموحاتها في المنطقة، حيث موَّلت شبكة سرِّية تربط بين شخصيات أوروبية وعربية، مهمتها صياغة سياسة إحدى الدول الأوروبية وفق طموحاتها، وتستهدف التأثير على كبار رجال الصحافة فيها، لخلْق رأي عام يدعم الهجوم على دولة قطر.

وها هي تسعى لتشويه صورة قطر، عن طريق اللعب على الوتر الحساس (القضية الفلسطينية)، وإفساد العلاقة بين الفلسطينيين والقطريين بتلك المسرحية الهزلية. الدعم القطري للأشقاء الفلسطينيين –الذي هو واجب إسلامي وعربي وإنساني – لا يخفى على أحد، سوى من أغمض عينيه عن الواقع والحقيقة، سواء في الضفة أو قطاع غزة، إلا أن القطاع يحظى بنصيب أكبر، نظرًا للحصار الخانق عليه، وتعرُّضه لأكثر من حرب صهيونية، ودخوله في أزمات طاحنة متعددة الجوانب. لكن يبدو أن تلك الدولة التي تهوَى الشغب، لا تعتبر القطاع تابعا لفلسطين، لأنه يخضع لإدارة حركة حماس التي تربطها بقطر علاقات قوية ظاهرة.

ليست قطر من يخدم توجه الاحتلال الصهيوني، بل يخدمه من قام بتجزئة القضية الفلسطينية والأرض الفلسطينية على خلفية الأيديولوجيات.

يخدمه من أوَى ودعَّم أُناسا لفَظَهم الإجماع الوطني الفلسطيني، وجعل من أرضه منصَّة صواريخ يتم إطلاقها على الأشقاء.

من العار استغلال القضية الفلسطينية – التي تُعد بالأساس القضية المركزية لدى العرب – في تحقيق طموحات خاصة على حساب الشعب الفلسطيني وعلاقاته العربية والدولية. ومن العار أن يتمَّ استغلال القضية الفلسطينية لتحقيق مآرب وأطماع، في وقت بلغت فيه المشاريع الإقليمية ذرْوَتها بما يُهدّد الدول العربية قاطبة بالدخول في مزيد من أجواء التوتر والاضطرابات.

نعلم جيدا سعْيَ تلك الدولة لِلَعب دور يفُوق حجمها بمراحل، وعمَلَها على تغيير الخريطة السياسية للمنطقة بأسْرها، لكنها تسير بِخُطى تُعمِّق الشرخ في العالم العربي، وتنسف كل أمل في الاصطفاف، في وقت لم تستطع الأمة حتى نسيان العداوات والثارات القديمة، كما قال نزار قباني:

هُزمنا، وما زلنا شتات قبائل …..تعيش على الحقد الدفين وتثأر

وسوم: العدد 721