الاحتطاب الإعلامي، في الحبال السياسية : لابدّ منه .. لكن ، كيف !؟

كان الناس يخرجون ، إلى البراري ، لجمع الحطب، وكلّ منهم يحمل حبله ، ليحزم به  حطبَه . وكان بعضهم يضع حطبه ، في حبل شخص ما ، له عليه فضل ، أو دالّة .. فيقال عنه : إنه ( يَحطب في حبل فلان ) !

وصارت الجملة تستخدم ، في المجالات الاجتماعية والسياسية ، على سبيل الكناية !

 والكلام الإعلامي ، هو نوع من الاحتطاب ، بالمعنى الوارد أعلاه ؛ فيقال : الإعلامي فلان ، يحطب في حبل فلان : الرئيس ، أو الوزير، أو الوجيه ! أو يحطب في حبل الدولة الفلانية: أمريكا ، روسيا ، بريطانيا ، فرنسا..!

 وهذا أمر عادي ومألوف ، في الحياة السياسية والإعلامية ! بل لابدّ منه ، لأيّ إعلاميّ ، أيّاً كان انتماؤه، وأيّاً كان حطبُه، وأيّاً كان هدفه من الاحتطاب! وحسابُ القيَم، والأخلاق- السامية والمتدنية – حاضرٌ ، أبداً ، في كل كلمة يحتطبها ، وفي كل حبل ، يضعها فيه !

 والإعلاميّ من أوائل الناس ، الذين ينطبق عليهم بيت الشاعر:

 إذا أنتَ لمْ تنفعْ ، فضُرَّ ؛ فإنما     يُرجّى الفتى ، كيما يَضرّ، وينفعا

 أي: ينفع صديقه ، ويضرّ عدوّه - وحتى هذا قد ينفعه ؛ إذا هداه إلى خير أو صواب-! فالصراع الإعلامي ، كسائر الصراعات : دفاع وهجوم ، ونفع وضرر! والمهمّ ، أن يعرف الإعلامي : متى يدافع ، وأين ، وكيف ؟ وأن يعرف : متى يهاجم ، وأين ، وكيف..!؟

 فالكلمة الإعلامية رسالة ، فلينظر المرسِل ، في : طبيعتها ، وغايتها ، ونفعها ، والجهة المرسَلة إليها ! وإلاّ وقع في المحظور، وانطبق عليه قول الحطيئة ، عن الشعر:

 والكلمة، هنا، توازي الرصاصة ، في الصراع المسلّح ! فلينظر مُطلقها: كيف يطلقها، ومتى،  وفي أيّ اتجاه ! وإلاّ أضرّت بصاحبها، قبل أن تضرّ بعدوّه ، أو نفعت عدوّه ، وأضرت بصديقه!

 وصدق من قال : جراحاتُ السنان لها التئامٌ        ولا يَلتامُ ماجرحَ اللسانُ

 وقد ينتشر نفع الكلمة ، أو ضررها ، في المكان ، فيشمل عدداً كبيراً ، من الناس .. كما قد يمتدّ ، في الزمان ، فيشمل أجيالاً لاحقة ! وفي كل الأحوال ، هو ملاقيها -بنفعها وضرّها- عند ربّه ، في سجلّ حسناته ، أوصفحة سيّئاته !

 أمّا الإعلامي المرتزق ، الذي يسلق الناس ، بألسنة جداد ، لقاء دراهم معدودة ، دون أن يردعه دين أو خلق.. فهو مجرّد أداة ، توظفها حهة ما، في وسيلة إعلامية ما، لخدمة هدف رخيص، كالافتراء على جهة معيّنة ، لتشويه سمعتها ، في ساعة من ليل أو نهار.. ثم تستغني الجهة التي وظفته ، عن خدماته ، بعد أن يؤدّي وظيفته ، التي يشوّه بها سمعته وكرامته ، ويلحق بركب الساقطين، من أمثاله ، حاملاً أوزار سفاهاته، بعد أن يتنصّل مستخدموه، من تكليفه بها !

وحين يكون الحبل مشتركاً، بين شخصين ، أو أكثر، يكون من يَحطب فيه، إنما يحطب لنفسه، بصفته أحد الشركاء ، في الحطب !  

 وبنظرة متمعّنة ، إلى الحطّابين الإعلاميين ، وحطبهم ، يستطيع اللبيب ، أن يحدّد الحبل ، الذي يحطب فيه كل منهم ! كما يستطبع تخمين الهدف ، وراء هذا الاحتطاب ، هل هو: خدمة لمصلحة شخصية (مال.. منصب.. شهرة)!؟ أم هو لمصلحة وطنية ، أو حزبية ، أوغير ذلك !؟

 وبالنظر إلى مصالح الدول القائمة ، اليوم ، وتاريخ كل منها : الأبيض، أو الأسود.. يعرف المتمرّس الفطن ، دوافع الاحتطاب ، ومآلاته ، وهل هو: نافع للمحتطب، شخصياً ، أو لشعبه ، أو لدولته ..!؟ أم هو ضارّ: لشعبه ، أو دولته.. وإن كان فيه ، نفع شخصي له !؟

 والاحتطاب الذي يحتاج ، إلى تأمّل عميق ، هو ذلك ، الذي يمارسه شخص ما، اجتهاداً منه ، أن احتطابه ينفع قومه ، أو شعبه ، أو دولته ! – فيعضّ اليد الممتدّة له ولشعبه ، طالباً من صاحبها ، أن يَمدّها بشكل أكبر، أو أن يقدّم له ، بها ، أكثر ممّا يقدّمه ، في الظرف الذي هو فيه ! دون تبصّر، فيما يستطيعه صاحب اليد ، وما يعجز عنه ؛ لأن يده تغلّها ، أيدٍ أخرى ، كثيرة ، أقوى منها ! - فيقع حطبه ، في حبل عدوّ: له ، أو لشعبه ، أو لدولته.. وهو يحسب ، أنه يحسن صنعاً ! وقد يكابر، صارخاً: أن هذا الحطب - الذي يحطبه هو-  وحدَه ، الذي يقع في حبل شعبه، وكل ماعداه ، هو نوع من : الجهل ، أو النفاق ، أو الغباء السياسي !

 وقد يصبح هذا الحاطب ، أسيراً، لرأيه السياسي ؛ فيظلّ يكابر، حتى بعد أن يعلم، أن حطبه ، يدفئ الجهة الفلانية ، المعادية .. بينما يظلّ شعبه يرتجف ، من شدّة البرد !– وهذا على افتراض ، حسن النيّة لديه .. أمّا سيّء النيّة ، فمصنف في خانة الأعداء - !

 بل ، ربّما حوّلَ صاحبُ الحبل ، ذلك الحطب ، الذي جاءه ( بالمجّان ) إلى نار، تحرق المحتطبَ ، و شعبَه !

 ولو نظرنا ، إلى أيّة دولة عربية - على سبيل المثال – لوجدنا ، بكل بساطة ، أن من يَحطب في حبل دولة ، من الدول المعادية لشعبه ، المتظاهرة بصداقته ، إنّما يحطب ، لمصلحته الدونية ، لا لوطنه ، ولا لشعبه.. بل ؛ ربّما كان حطبُه، وقوداً للآخرين، يحرقون به وطنه وشعبه.. ويحرقونه، هو، نفسه، مع أسرته، وكل من يلوذ به.. سواء أعرف هذا، أم جهله ! 

وسوم: العدد 722