رسالة إلى أسير فلسطيني مروان البرغوثي مانديلا العرب
أخي مروان: تحية وسلاما وبعد:
يشهد الله أنك ما غبت عن خاطري لحظة منذ أن حوكمت في 2002 وكان الحكم قاسيا "خمسة مؤبدة وأربعون عاما" ما زلت أذكر البسمة التي ارتسمت على شفتيك والتفاؤل الذي كلل محياك هل كنت تسخر من سجانك؟
في السجن نلت شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2010 بعد أن نجح محاميك في تهريب رسالتك وتهريب أجوبتك على أسئلة اللجنة الممتحنة لك، وفي السجن كتبت العلاقات الفرنسية الفلسطينية وألف يوم في السجن الانفرادي قلت لسجانك "لا بأس بفقد حريتي في سبيل حرية شعبي " وكتبت رسائل رقيقة لزوجتك السيدة فدوى البرغوثي تنم عن حب وشفافية ورقة ودوام الوداد والوفاء ،حتى أولادك الأربعة لاسم كل واحد منهم معنى وتاريخ "القسام "تيمنا بعز الدين القسام، " ربا "في إشارة إلى الربوة الفلسطينية،"عرب "إصرارك على الرباط القومي،وولد آخر لا أذكر اسمه ، نفسك السمحة وعقلك الواسع وحنكتك السياسية دفعت بك إلى البحث عن المصالحة الفلسطينية فوضعت يدك في يد الفصائل الإسلامية وحسك النقدي لم يثنك عن انتقاد مركزية السلطة في شخص الراحل ياسر عرفات وانتقدت الفساد من بعض الاطراف في حركة فتح ، واليوم تخوض منذ17أفريل الماضي مع1500أسير فلسطيني إضرابا عن الطعام أسميته "معركة الأمعاء الخاوية "دفاعا عن حقوق الأسرى أسست كتائب الأقصى دفاعا عن حرمة المسجد الأقصى لما داس ثراه الطاهر شارون بالنعال وخضت معركة طويلة تعرضت فيها للتصفية الجسدية لولا لطف الله أو طول العمر.
أنا لا أشك أنك في زنزانتك الانفرادية تواصل الكتابة بسرية وتواصل الإضراب عن الطعام ولا تكف عن الابتسام وقد وهبت حريتك لشعبك فهنيئا لك الصفقة ربح البيع يا أبا القسام هكذا تحب أن تنادى.
إن قضيتك شاهد على موت الضمير الإنساني ونفاق الديمقراطية الغربية وانحياز المنظمات الأممية لصالح طرف واحد وهي شاهدة على موت الضمير العربي :عرب أطاعوا رومهم ،عرب باعوا روحهم ...وضاعوا
إنك يا أبا القسام استمرار لعبد الرحيم محمود وأمين الحسيني وفيصل الحسيني وياسر عرفات وقوافل الشهداء الذين ضحوا من أجل الحرية والكرامة والأرض.
زمننا يا أخي ترابي ،موحش كقبر منسي، لأننا بذلنا كرامتنا في سبيل لقمة العيش واسترخصنا الحياة حين حصرناها في متطلبات الغريزة وشعارنا الله غالب خبزنا مغموس في إدام الذل ويومنا مرهون للفراغ والملل واللاجدوى في انتظار ضجعة يستريح فيها الجسم أبدا ، حرصنا على الخلاص الفردي والحرية التي تعني أكل عيش ونومة هنية وتناسل كتناسل الأرانب فذقنا العبودية جميعا ما معنى أن تكون عربيا سوى كونك شخصا مذلولا مسلوب الإرادة مقهور العزيمة تخاف من ظلك ، سلم ليس في الإمكان أبدع مما كان عاش الذل عاش الجبن عاشت الخيانة من زمان انفجر الشاعر العربي نزار قاني في وجوهنا وأصلى جلود المستسلمين المهرولين المنبطحين اللاهثين خلف القيان والجواري والدنان نيران الشعر الحامية:
والعالم العربي يرهن سيفــــــه ** فحكاية الشرف الرفيع سراب
ياتونس الخضراء هذا عــــــالم ** يثري به الأمي والنصـــــــاب
فمن الخليج إلى المحيط .. قبائل ** بَطِرَت فلا فكـــــــر ولا آداب
في عصر زيت الكاز يطلب شاعر ** ثوبا وترفل بالحرير ........
لقد رفلن على الدمقس وانتشين بشرب نخب عرائنا وجوعنا وأميتنا وما زلن يعثن في خلايانا فسدا وفي زمننا عربدة وعهرا.
ومن قديم وقع شاعر عربي في الأسر هو أبو فراس فضاق به وبكى وقال:
تطولُ بي الساعاتُ ، وهي قصيرة ** وفي كلِّ دهرٍ لا يسركَ طولُ !
نعمْ ، دعتِ الدنيا إلى الغدرِ دعوة ً ** أجابَ إليها عالمٌ ، وجهولُ
وَفَارَقَ عَمْرُو بنُ الزّبَيرِ شَقِيقَهُ ** وَخَلى أمِيرَ المُؤمِنِينَ عَقِيلُ!
فَيَا حَسْرَتَا، مَنْ لي بخِلٍّ مُوَافِقٍ ** أقُولُ بِشَجوِي، مَرّة ً، وَيَقُولُ!
تتشابه مأساتكما هو خانه صحبه وفلسطين خانتها شقيقاتها وأسلمتها إلى مصيرها التراجيدي
أما أنت فلم تضق بالخلان ولا بالزمن الطويل فزمنك سندبادي مشرع على أفق الحرية ومدى الكرامة الآدمية التي تذود عنها ولذا وهبت حريتك لسجانك مقابل حرية شعبك عن طيب خاطر
من واجب كل عربي أن يخجل من نفسه حين ينظر إلى صورتك ويتأمل نفسه اللاهثة وراء الرياش ،النساء ،الدنان،التسوق العشوائي ،السفر بلا غاية غير التسكع أمام شعوب متحضرة بعقلية بدائية بدوية.
تفهم يا أخي عجزي وضعفي وقلة حيلتي واسمح لي أن أناديك بأخي وأن أفكر في نضالك أحيانا على الرغم من أنني لست مؤهلا لذلك.
أحيي نضالك ونضال أصحابك قادة معركة الأمعاء الخاوية وأحيي زوجتك المثالية المحامية السيدة فدوى وأبناءك الأربعة وأدعو الله دعاء عاجز مقهور رخص زمانه وهان رسمه واتسخت أذناه من كلمات الرياء والتملق والخديعة أن يهبك القوة والمناعة والاستبسال وأن يجعل في الضمير الإنساني هبة من غفوة الجحود واللامبالاة في زمن الرياء والتملق والدسيسة.
وسوم: العدد 722