فتشوا عن مغزاها
الشيخ #محمد_الغزالي : " إن العرب جنس حاد المشاعر جامح الغرائز، عندما يطيش يفقد وعيه وعندما يعقل يبلغ الأوج.. ولقد قرأت رأى ابن خلدون فى العرب، وترددت فى تصديقه ثم انتهيت أخيرا إلى أن العرب لا يصلحون إلا بدين ولا يقوم لهم ملك إلا على نبوة، وأن العالم لا يعترف لهم بميزة إلا إذا كانوا حملة وحى، فإذا انقطعت بالسماء صلتهم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وغشيهم الذل من كل مكان.
وتاريخ العرب الأقدمين مع الدين مثار عبرة! لقد قرأت سير الأنبياء العرب مع أقوامهم وعجبت لضياع رسالتهم أمام عواصف التكذيب التى هبت عليهم من كل مكان! فى جنوب الجزيرة العربية كانت عاد وسبأ وفى شمالها كانت ثمود ومدين وقرى المؤتفكة..
إن الرسل الكرام أعجزتهم الطباع المستكبرة والرذائل المتمكنة، فمضت سنن الله تحصد المجرمين وتؤدب العاتين. وجاء فى سورة هود ـ وهى نموذج لهذا التاريخ فى القرآن الكريم ـ قوله سبحانه: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).
وشاء الله أن يتجدد العرب مع الرسالة الخاتمة، إن الأوائل الذين بادوا فى حريق الجحود جاء من بعدهم من أخذ الكتاب بقوة، وخدم الإيمان بعزم، وانتصب لحرب الجبابرة ببأس شديد! والواقع أن الجيل الذى رباه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان من طراز فذ، لقد ألان القلوب لله حتى بلت دموعها المحاريب، وأخلص النيات فما بقى هوى ولا غش، وتمهدت الميادين لنصرة الحق.
وقيل يا خيل الله اركبى! فاندكت صروح للباطل ما ظن أحد أنها تزول، وتلاشت أوهام وخرافات طالما حقرت الإنسانية وأزرت بها ونشأت حضارة إسلامية أسهم فيها العرب وغيرهم فى ظل إخاء عام وفطرة سليمة.
ولكن العرب نسوا معقد شرفهم وعروة مجدهم، وظنوا أنهم بغير الإسلام يمكن أن يكونوا شيئا.. وقوى هذا الشعور أو ضعف حسب انكماش الإيمان وامتداده.
وجاء دور الهزيمة العامة فى تاريخ العرب الأخير، والعرب يفخرون بأصلهم لا بدينهم، ويتحدثون عن دمهم لا عن نسبهم الروحى الثاقب.
ولعل أغرب مفارقة فى تاريخ الحياة كلها أن يقبل اليهود فى موكب تقوده التوراة على حين ينسى العرب قرآنهم، بل تستعجم لغتهم على أفواههم فما يحسنون النطق بها.
وبديه أن تتلاحق المخازى فى شئون العرب السياسية والاجتماعية، وألا يبدو لهم نصر فى أفق من الآفاق. كيف؟ وقد تيقظت الشهوات، وصرخت الأثرة وشرع العرب المعاصرون يحيون كما كانت عاد وثمود، يبطشون بطش الجبابرة ولا يروى لهم عطش إلى الملذات الحرام..
لقد قرأت فى إحدى الصحف خبرا يذكر بمرور سبعين عاما على مأساة دنشواى أيام الاستعمار الإنجليزى، وقلت فى نفسى: ما تكون مأساة دنشواى إلى عشرات ومئات القتلى الذين أودى بهم الاستعمار الداخلى.
إن العرب ـ بعيدا عن الإسلام ـ لن يكونوا إلا حطب جهنم! ذاك فى الدار الآخرة أما فى هذه الدنيا، فإن العرب بعيدا عن الإسلام سيأكل بعضهم بعضا، ثم يأكل بقيتهم اليهود والنصارى!
إذا كان الدين ضرورة إنسانية لرشد الناس، وقيامهم بحقوق خالقهم، فإن الدين للعرب هو الهواء الذى يبقى حياتهم، أو الغذاء الذى يمسك كيانهم، فليروا رأيهم، إن شاءوا الحياة أو شاءوا الممات .. "
وسوم: العدد 724