مقاومة الأعداء فطرة إنسانية وحق شرعي
على مدى التاريخ البشري ، احتل المحاربون الشجعان المدافعون عن القبائل والجماعات والشعوب منزلة مرموقة في منظمومة القيم والسلم الاجتماعي ، ونظمت حول بطولاتهم القصائد ، وألفت القصص والملاحم ، ونسجت الأساطير . وفي تاريخنا القبلي ، انتزع عنترة بن شداد حريته بشجاعته وسيفه في ذوده عن قبيلته عبس . لم يكن مقام المحاربين الشجعان موضع نقاش حتى في أشد المجتمعات همجية وبدائية . الشجاعة كانت تعني الحياة الكريمة الآمنة ، وحفظ البقاء الذاتي جسديا . وتآزرت الجماعات الصغيرة والضعيفة مع جماعات أقوى منها في سبيل الهدفين السابقين ، وقد تتآزر أحيانا مع جماعات صغيرة وضعيفة مثلها ليصنع تآزرها من الصغر كبرا ، ومن القوة ضعفا . تلك هي الفطرة السوية التي فطر الله _ سبحانه عليما حكيما _ الإنسان عليها . الله أولى بقاء الإنسان ، بل الحيون عناية قصوى .
وعندما تومض نذر أي حرب ، أو تنفجر واقعا ، تسرع الدول إلى التحالف مع من له مصلحة بينها في صد خطر هذه الحرب عليها مهما اختلفت المبادىء ، وحتى لو كان بينها ماضي عداء . ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية أعلن استعداه للتحالف مع الشيطان لصد الخطر الألماني عن بلاده ، وتحالف مع الاتحاد السوفيتي الذي كان يراه شيطانا لاختلاف أيديولوجية البلدين .
وحين علم الحلفاء بظهور حركة مقاومة صغيرة في يوغسلافيا ، وكان ذلك نادرا في البلاد التي اجتاحتها القوات الألمانية لذهول الناس فيها من سرعة الاجتياح ، ولوجود قوى موالية للنازية الألمانية ؛ سارعت مخابرات الحلفاء للاتصال بتلك الحركة التي لم تكن متوثقة حتى من دقة اسم زعيمها جوزيف تيتو الذي صار رئيس يوغسلافيا بعد ذلك .
وعقب انتصار الحلفاء وهزيمة ألمانيا ، وانتهاء الحرب في 8 مايو 1945 ، قبضت السلطة الفرنسية الجديدة على المارشال بيتان الذي أذاع بيان استسلام فرنسا أمام ألمانيا ، وأقام حكومة إدارة للبلاد في فيشي ، وحوكم وأعدم . سألوه : لماذا لم تقاوم ؟! ولم يشفع له دفاعه أنه أراد وقاية البلاد مما سيلحق بها من دمار بيد قوة قاهرة لا مقدرة لفرنسا على صدها ، ولم ينجه من الإعدام كونه أحد أبطال فرنسا في الحرب العالمية الأولى في مواجهة ألمانيا . أعلم أن ما سبق مقدمة مسهبة نوعا لما أحب أن أقوله ، إنما لا ضير فيها .
أريدها وجها مقابلا للوجه القبيح الذي ابتلينا في العالم العربي بظهوره ، وأقول “بظهوره” ؛ لأنه كان موجودا خفية ، وتجاسر على الظهور درجة درجة حاسبا ما حل بالأمة من تمزق وضعف أباح له الظهور بكل هذا القبح وصراحة الغدر والانسلاخ من روحها وهويتها وفطرة الإنسان السوية وشرعية الدفاع عن الحق. الوجه المقصود هو وجه عرب أميركا وإسرائيل الذين جاهروا بسبقهم لأميركا وإسرائيل في بغض المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية لإسرائيل ، واتخذوا قطع علاقة قطر بتلك المقاومة شرطا محتم التنفيذ لكفهم عن مقاطعة قطر . وطبعا لنا رأينا في أن قطر لم تكن يوما نصيرا لتلك المقاومة ، وعلاقتها بحماس ، مثلما قال سفيرها في واشنطون ، كانت بطلب من أميركا.
هذا الموقف الذي يتخذه عرب أميركا وإسرائيل من المقاومة ، والواصف لها بالإرهاب ، يحدد موقعهم الحقيقي الذي لا يتعدى كونهم فعلا عربا لأميركا وإسرائيل والغرب عموما ، وهو ما يفضي إلى كونهم أعداء لأمتهم . ولا يخفي هذه الحقيقة البشعة أي طلاء إعلامي أو بيانات كلامية مبتذلة عن وقوفهم مع الحق الفلسطيني . ولكون هؤلاء العرب أتباعا لأميركا وإسرائيل ومتمادين في إبداء الخضوع لهما والتقرب منهما فإنهم يتفوقون عليهما في بيان عداوتهم للمقاومة . إسرائيل ، وبتوجيه من أعلى مستوياتها الأمنية استخبارات وجيشا ، تجنح إلى التهدئة مع حماس وغزة ، ولا يكف مستوطنو غلاف غزة عن حث الحكومة الإسرائيلية على السماح لعمال غزة بالعمل في مستوطناتهم لخلق جو هدوء بين الطرفين . عرب أميركا وإسرائيل ، بجهلهم ، وعمق مذلة تبعيتهم ، وقسوة قلوبهم ، وبعدهم التام عن كونهم دولا ، يشتطون ويتشددون في بغض المقاومة حاسبين أن هذا يقربهم زلفى من أميركا وإسرائيل ، ويقوي ضمانة حفظهما لعروشهم . أميركا لا صديق لها ، وتخليها عن قطر في الأحداث الخليجية الحالية أحدث وأعنف درس للواهمين في صداقتها . والإسرائيليون على استفادتهم من هذا الصنف السيء من العرب فإنهم يزدرونه ، ويجهرون بازدرائه ، ومنهم من يحذر من تجاوز الاستفادة منه إلى التماهي معه ، ويستعيدون ما حدث للصليبيين الذين حالفهم بعض المسلمين وحارب معهم أبناء عقيدته ووطنه ، وفي الختام دحر الإجماع الإسلامي الطرفين . مقاومة الأعداء فطرة إنسانية ، وتعظيم المقاومين فطرة إنسانية ، وهي الوسيلة لحفظ الكرامة والأمن والحياة ، والقوانين الدولية تقر شرعيتها ، ومن يتنكر لها ويصنف أبطالها وشهداءها وأسراها إرهابيين يخرج على تلك الفطرة ، وعلى تلك الشرعية ، ومآله الخسارة والعار .
وسوم: العدد 724