إلى أبي في ذكراه الثلاثين
ثلاثون عاما مضت وكأنها ليلة واحدة ،،،،، ثلاثون عاما وكأنها الأمس القريب،،،،، ثلاثون عاما ثقيلة مثقلة محملة بكل المشاعر وبزخم العواطف ،،،،
اعلم يا أبي انه.....
....ما أثقل الليل بدون أب،،،، ما أصعب النهار بدون أب،،،، ما أوحش الأيام بدون أب ،،،، ما أعسر الهم بدون أب،،،، ما أضيق الفضاء الرحب بدون أب ،،،، ما اشد برد الشتاء بدون أب ،،،، ما أثقل الحمل بدون أب ،،،، الدنيا بدون أب كأنها ليل بدون نهار ،،،، كأنها زمهرير بدون دفء وحنان ،،،، كأنها قساوة بلا رحمة ،،،،، ما أصعب الدنيا بدون أب،،،،،
رحل أبي قبل ثلاثين عاما ،،،، غاب منه الجسد لكن بقيت منه الروح، تعيش في داخلي، تتغلغل في أعماق نفسي، كل يوم تحدثني وأحدثها ...تحاورني وأحاورها ....
حين رحل أبي رحل معه كل شيء، لان أبي كان كل شيء ...لقد كان أبي رجلا قويا ، كريما ، حليما ، عطوفا ، حنونا ، كبيرا ... كنت أراه جبلا شامخا لا تهزه الريح ولا تحركه العواصف ولا تنال منه نوائب الدهر ولا تفقده عزيمته صروف الأيام.... بعد أن كبرت عرفت كم كان أبي خلوقا ، وكم كان أبي كريما ، وكم كان أبي كبيرا في أخلاقة ....عظيما في رجولته ..... ضخما في سعة صدره.........
كم أتذكر صوته حين كان يقف ليصلي الفجر ...كيف كان يتضرع إلى الله ويبتهل في دعائه بصوته الندي الشجي الجهوري..... أرقبة من تحت فراش النوم ......حينها عرفت أن أبي رغم قوته كم كان ضعيفا بين يدي ربه،،، تغشاه السكينة .......ويكلله الوقار ، يسعى بكل ما أوتي من قوة أن يكون قريبا من ربه .....
آه كم اشتاق إلى وجه أبي ...آه كم اشتاق إلى يد أبي .... آه كم اشتاق إلى حديث أبي..... آه كم اشتاق إلى صوت أبي ....آه كم اشتاق إلى دعاء أبي.... آه كم يوجعني فراق أبي..... لقد كان على النوائب صبورا ..وعلى النعيم شكورا .... وعلى العقبات أسدا هصورا.....عندما كبرت عرفت كم هو صعب أن أكون أبا مثل أبي ....تشبهت به لكن هيهات ...صبره صبر نبي وعزمه عزم فتى قوي ....
رحل أبي لكنة علمني الكثير قبل أن يغادر .... ..علمني كيف يكون الصبر ......علمني العزيمة والإصرار ، علمني كيف يقف الرجل أمام المحن... وكيف يجابه الفتن ....... وكيف يعالج صروف الزمن ..... لقد كان أبي معلما عظيما ، ومربيا فاضلا ، كان مدرسة بالأخلاق والقيم ، لم أر منه تصرفا معيبا طول الدهر ، كان حريصا على حسن التربية وزرع الفضيلة في نفوسنا ...فله منا كل الشكر ...وله مني العهد والوعد أن أبقى على ما اتفقنا علية ذات يوم ....
لقد تعجلت الرحيل يا أبي رغم أني ما زلت بحاجة إليك.... ولكني اعلم أن الأمر أقوى منك لأنها إرادة المولى ... لكن لا عليك يا أبي فأنت في ضيافة الرحمن الرحيم ، وكان حقا على الله أن يكرم وفادتك ويرعى جوارك لأني أحسبك من الصالحين ولا أزكيك على الله ......فإلى الملتقى في الفردوس الأعلى .... على العهد والميثاق ماضون بعون الله