العيد في الشام
وجوه ملؤها البسمة والانشراح، تتخفف باتجاه الوطن مع ما تحملها أياديها المتعبة من أشيائها التي لا تشكل إلا بعض حاجياتها.. قتلها التشرد واللجوء والغربة، فباتت بحق وحقيقة حقيبتها وطن.. كانت الآلاف تتجه صوب المعابر التركية الشامية لقضاء عيد، وأي عيد في الشام المنكوبة على مدار الساعة، ومدار الأسبوع، ومدار الشهر، ومدار السنة، بل ومدار سبع سنين عجاف، لكن أمل السوريين لا ينقضي ولا يذبل ولا يجف، فالسبع السنين العجاف من هذه الثورة سيعقبها، كما يرون ويعتقدون، عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.. يغاثون بنصر، ويعصرون فيه أقواته، ومعها يعصرون كل من تنكب لهذه الثورة وخذلها وأثخن بأهلها وشعبها، لتلاحقهم لعنات الشعوب ولعنات التاريخ.
على المعابر السورية المفتوحة صوب إدلب الخضراء اليوم تقرأ الكثير في وجوه القوم، وفي بانورامية المشهد، تقرأ إصرار الشامي على الحياة، والحياة في وطنه تحديداً، مهما كانت التكاليف، ومهما كانت المتاعب، ومهما كان نوع القصف والدمار والخراب المتنقل بين بلدة وأخرى، تقرأ في المشهد التراحم والتواصل الذي يدفعهم للعودة إلى وطن تنتظرهم في كل لحظة قذيفة أو صاروخ من محتل ومجرم وقاتل، ومع هذا ترى هذا الاندفاع الشعبي الكبير للعودة إلى الوطن، الوطن الحر الخالي من الميليشيات الطائفية، ومن الاحتلالات الأجنبية.
حينها تستطيع أن تحاجج كل من يشكك في عودة السوريين المهجرين إلى أوطانهم، ومن يشكك أيضاً في حب الشامي لوطنه، ومن يشكك في أن الدمار والخراب للوطن سيكون مانعاً وحائلاً في عودتهم إلى أرض الخراب والدمار كما يرون، لكنها عمار بأهلها وبعزائمهم وبإرادتهم الصلبة في الحياة الحرة الكريمة، فالشامي المعروف عنه حبه للعمل، والمعروف عنه رغبته في البناء سيعود ليبنيها من جديد، ولذا يحرص المحتل وأذنابه على مواصلة التجريف قتلاً وتدميراً وخراباً لقناعته أن هذا الشامي قادر على البناء في غضون فترة قصيرة قد تذهل العالم.
لقد كان مغول التاريخ أرحم من مغول العصر، فلم نسمع عنهم أنهم واصلوا تدمير بلدة ما عشرات بل وآلاف المرات، وعلى امتداد السبع سنين الماضية، كل ما نقرأه عن المغول أنهم يقتلون ويدمرون المدينة ثم يرحلون عنها، ولم نسمع أو نقرأ أنهم يزورون المدينة التي دمروها كل يوم وكل ساعة على مدى سبع سنين عجاف، ليواصلوا عملية تجريفها وحرقها وإبادة ما تبقى من المرات السابقة. سيرحل كل الطغاة، وسيرحل معهم كل المحتلين، وسيرحل كل الشوك الذي زرعوه في بلد الياسمين، فهذا البلد لم يخلق إلا للياسمين والورد الجوري، هذه الشام لم تخلق لأحفاد كسرى وهرقل، ولم تخلق للعملاء والأذناب، الشام الأموية ستعود لأهلها وتعود لأصحابها الأصليين، ويرحل عنها كل الأغراب الذين ظنوا أنهم سيدنسونها، فخاب ظنهم، وطاش سهمهم، مثلهم كمثل الوزغ الذي كان يحرض على نار السلام على سيدنا إبراهيم، ببساطة لأن التاريخ معنا والجغرافيا كذلك، والحق معنا، أما من كان حليفه ومرشده ودليله في الفتك والإجرام والتفريغ الديمغرافي والابتلاع الجغرافي بني صهيون، فمزابل التاريخ ستسعه كما وسعت من سبقه.;
وسوم: العدد 726