لا حل أمام العرب اليوم سوى الاحتماء بالإسلام
لا حل أمام العرب اليوم سوى الاحتماء بالإسلام الذي أثبت إخراج أسلافهم من تفرق وضعف وذل وهوان إلى وحدة وقوة وعزة وسلطان
لا يختلف وضع العرب اليوم عن وضعهم بالأمس قبل أن يبعث آخر نبي عليه السلام بآخر رسالة للعالمين لإخراج البشرية من ظلمات الضلال والظلم إلى نور الهداية والعدل . ولقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تبرهن للبشرية على فعالية الرسالة الخاتمة وقدرتها على إخراجها من أسوإ حال إلى أحسن حال، وذلك بنزول هذه الرسالة على نبي عربي عاش في مجتمع كان نموذجا للمجتمع المفكك الأوصال، العاج بالصراعات والتطاحن ، والخاضع لمجتمعات قاهرة تستعبده شر استعباد ، والطافح بالفساد والجور . ولم يكن يوم بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالم مجتمع أسوأ حالا من المجتمع العربي ، وكان هو المجتمع الأنسب لإثبات قدرة الرسالة الخاتمة على إخراج البشرية من التخلف إلى التقدم . ولم يختر الله عز وجل أهل الكتاب من اليهود والنصارى لحمل الرسالة الخاتمة خصوصا وأنهم فرطوا في الرسالات التي سبقتها وحرفوها عن مسارها ،بل اختار أمة العرب لسببين : الأول لأنها أمة لم يبعث فيها نذير من قبل ، والثاني لأنها كانت هي الأمة النموذجية باعتبار وضعها المنحط لإثبات قدرة الرسالة الخاتمة على النهوض بها وبكل أمم الأرض في كل زمان وفي كل مكان حين تبلغ مبلغها من التخلف ، ذلك أن رسالة استطاعت أن تنهض بأحط أمة قادرة على النهوض بسواها مهما بلغ انحطاطه . ولقد سجل لنا التاريخ فترة انحطاط العرب قبيل البعثة النبوية وهي الفترة المعروفة بالجاهلية بما تحمله هذه التسمية من دلالة على بلوغ حضيض التخلف والانحطاط . ويكفي الإشارة إلى توزع أمة العرب من حيث خضوعها للأمم الغالبة على أمرها إلى إمارة المناذرة في العراق الخاضعين لأمبراطورية فارس ، وإمارة الغساسنة في الشام الخاضعين لأمبراطورية الروم ، وكان شتات القبائل العربية في شبه الجزيرة يخضع للإمارتين ومن ثم يخضع لسلطة الأمبراطوريتين المهيمنتين . وكانت القبائل العربية منشغلة بالتطاحن فيما بينها بسبب الصراع على جرعة ماء أو قضمة عشب في صحرائها القاحلة لتوفير قطعان الماشية لأمبراطوريتي الفرس والروم . في مثل هذا الوضع أنزل الله عز وجل الرسالة الخاتمة لتجرب في أمة العرب المستضعفة في الأرض ،وتكون عبرة لباقي الأمم في كل عصر ومصر . ولا يمكن لهذه الرسالة وهي الرسالة التي تكفل الله عز وجل بحفظها أن تفقد قوتها في إخراج كل أمة متخلفة من تخلفها كما أخرجت أمة العرب في الجاهلية من جاهليتها المتخلفة . وإذا ما انتقلنا إلى وضع الأمة العربية اليوم لا نجد بينه وبين وضعها بالأمس فرقا ،ذلك أن عالم اليوم لا زالت فيه امبراطوريتان تتوزعان السيطرة على العرب . ولا زالت في العرب إمارتان تنضوي تحت كل واحدة منهما كيانات هزيلة متطاحنة كما كانت القبائل العربية في الجاهلية ، ولا زال العرب اليوم يوفرون للأمم القاهرة الوقود والمال كما كان أسلافهم يوفرون للأمم التي كانت فوقهم قاهرة قطعان الماشية . وكل ما تغير هو استبدال عرب اليوم خيام الوبر بالأبراج الزجاجية الدالة على غبائهم في الأخذ بأسباب النهوض ،وإن كانوا لم يغيروا من لباسهم إذ لا زالت العباءة والدرة تميزهم عن غيرهم من الأمم كما كان أسلافهم . ولا زالت عقليتهم كما كانت جاهلية يجهل بعضهم على بعض فوق جهل الجاهلين . ولست أدري لماذا عيب على الشهيد سيد قطب استعماله لعبارة جاهلية القرن العشرين والحال أن الوضع بالنسبة للعرب خصوصا لا زال كما كان في الجاهلية . فهاهم فرس اليوم يبسطون نفوذهم في العراق ويخضعون مناذرته الجدد ، وينافسون روم اليوم في الشام لإخضاع غساسنته الجدد أيضا . ولقد حلت محل العصبية القبلية التي كانت عند عرب الجاهلية عصبية طائفية تلعب نفس دور العصبية القبلية ،وتمكن الأمم القاهرة من إحكام قبضتها حول وريد عرب اليوم لتطويعهم . ولازالت القحطانية قحطانية ،والعدنانية عدنانية، والعبسية عبسية، والذبيانية ذبيانية ، والتغلبية تغلبية ، والبكرية بكرية ، نعم تغيرت الألقاب و لكن بقيت العصبية كما كانت في الجاهلية بل اشتد أوارها . ولا شك أن وضع العرب اليوم وهو أشبه ما يكون بوضعهم في الجاهلية، وهو أنسب وضع لتفعل الرسالة الخاتمة فعلها كما فعلته في الجاهلية ،فأخرجت أمة العرب من حياة الذلة والمهانة إلى حياة العزة والكرامة . ولا يمكن أن تتخلف الرسالة الخاتمة عن القيام بدورها وقد أصبحت ظروف اشتغالها مناسبة قبل أي وقت مضى . وما على عرب اليوم سوى السير على خطى أسلافهم في احتضان الرسالة الخاتمة من جديد وتنزيلها في حياتهم لتعود إليهم ريادة العالم الضائعة منهم ، و تعود لهم شهادتهم على الناس وقد انتدبتهم الرسالة الخاتمة لذلك بل أخرجتهم للناس من أجل ذلك . ومعلوم أن تنزيل الرسالة الخاتمة له طريقته الخاصة التي وضعها خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم وحيا من الله عز وجل واتباعا ، ولا مندوحة لعرب اليوم عن التزام تلك الطريقة لجني ثمارالرسالة الخاتمة . وإذا ما استوعب عرب اليوم هذه الحقيقة واستيقنتها أنفسهم، عرفوا السر وراء عداء الأمم التي تقهرهم للرسالة الخاتمة ومحاولة طمس معالمها ، وإقصائها من عالم اليوم حتى لا يفكر عرب اليوم في الاحتماء بها مرة أخرى للتخلص من العبودية والتبعية والذل والهوان . وكما كانت الأمم قاهرة العرب في الجاهلية تسلط العرب على بعضهم البعض ليقتل بعضهم بعضا ، فإن الأمم قاهرة عرب اليوم تسلطهم على بعضهم البعض ليفني بعضهم بعضا . وكما كان لبني إسرائيل بالأمس دور في التحريش بين عرب الأمس وتحريضهم على القتال فيما بينهم ، فإن لبني إسرائيل اليوم نفس الدور مع عرب اليوم ،ولا زال حي الأوس وحي الخزرج كما كانا تحت رحمة كيد بني إسرائيل اليوم . وإذا كانت الرسالة الخاتمة قد آخت بي أوس وخزرج الأمس، فهي قادرة على أن تآخي بين أوس وخزرج اليوم . وإذا كانت قد وهّنت كيد بني إسرائيل بالأمس ، فإنها قادرة على توهين كيد بني إسرائيل اليوم . ونظرا لاستفادة بني إسرائيل اليوم من درس أسلافهم بالأمس، فإنهم كأسلافهم أشد الناس عداوة لهذه الرسالة ولمن يحملها ويبلغها . وإذا كان للأمس منافقوه الذين كانوا على صلة ببني إسرائيل يعينونهم على الكيد من أجل تفريق العرب الذي آخذوا بالرسالة الخاتمة ، فإن اليوم له منافقوه المتواطئون مع بني إسرائيل اليوم من أجل الحيلولة دون أخذ عرب اليوم بتلك الرسالة التي فيها وعد بنهاية ثانية لبني إسرائيل وللمنافقين على حد سواء كما كانت لهم النهاية الأولى . فهل سيفكر العرب بجد في احتضان الرسالة الخاتمة والاحتماء بها أم أنهم سيمددون فترة جاهليتهم الحالية إلى أجل غير مسمى؟
وسوم: العدد 728