آفَةُ الفصائل و الجماعات مُهاجروها
يكاد يتفقُ المراقبون على أنّه من ثورة، أو حركة مسلحة انخرطَ فيها غيرُ أبناء البلد المعنيّ، إلاَّ و أصبح مناصروهم ( المهاجرون ) عبئًا عليهم في مرحلة من مراحلها المفصلية، ولاسيّما عندما تشرع أطراف الأزمة في التفكير بوضع حدّ لها، من خلال الاقتناع بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، سعيًا للانخراط في عملية سياسية، تضع حدًّا لحالة الاحتراب بينهم.
و بالطبع يكون ذلك عندما تنحصر دوافع المواجهات في الإطار السياسي، أمّا في حال تلونه بألوان آيديولوجيّة، و عرقية، و طائفية؛ فإنّ أمدها غالبًا ما يطول، و يكون وقودها مقدرات البلد، و مُهجُه و أرواحه.
و هذا النزاع عادةً ما يوصف بأنّه من أفتك أنواع الصراعات، التي تدور بين الأمم، و الشعوب؛ ذلك لأنّه يجد أطرافًا و جهاتٍ عديدة، تمده بالشحن الديني، و الطائفي، و الشوفينيّ، و الآيديولوجيّ، الجانح نحو الحلول الأحاديّة، القائمة على إحدى النتيجتين: النصر، أو الموت في سبيل ما يؤمن به هؤلاء.
و يكون في أشدّ حالاته ضراوةً، عندما ينخرط فيه غير أبناء البلد المعنيّ، الذين يحرقون المراكب وراءهم، و يعاهدون من خلفهم على أن يكون دمُهم دون دم من خرجوا لنصرتهم.
و عادةً ما يكونون مُرحبًا بهم في مبتدأ الأمر، تحت ضغط الحاجة، و تطلعًا إلى من يناصر المضطهد، و لو كان مجهول الهويّة، أو البلد، أو الفكر، أو من ذوي الأغراض المشبوهة.
لتبدأ بعدها رحلةُ الشكّ، و التنقير عن أصله و فصله، و دوافعه، و غاياته، و الجهات التي ينتمي إليها، و الجماعات التي يسّرت له سُبُل الوصول إليهم.
و الطامّة الكبرى عندما يتبوّأ نفرٌ من هؤلاء صدارة الحديث، و التفكير، و التخطيط، و الإفتاء في تلك الفصائل، التي يكون وقودها من أبناء البلد، المنخرطين فيها بدوافع أخرى، تتباين كُليّة عن دوافعه و أهدافه.
و عندها سيذهبون في الحلول إلى أقصاها، و لا يعنيهم حجم التضحيات و الخسائر، التي ستذهب تجسيدًا لرؤاهم، و سيصبحون حملاً ثقيلاً على كواهل الأطراف المحليّة، التي احتضنتهم، و رحبت بهم، و رضيت بأن تكون رأس حربة في الدفاع عنهم تجاه القرارات الدولية، التي تطالبهم بالخروج من البلد، و تبذل وسعها للحيلولة دون تصنيفهم على قوائم الإرهاب الدولية.
و سرعان ما يباشرُ هؤلاء الفتنة، و يوقدون تحتها كلّما أطلّت برأسها، و يحرضون على استئصال مخالفيهم من أبناء الثورة الأصلاء، و يرمونهم بالفتاوى التي دونها نارُ جهنّم، و الويلُ و الثبور، إنْ لم ينصاعوا لرأيهم، و ينزلوا عند فتاويهم في أمور هم أهلُ دنياها، و أدرى بشعابها و مسالكها، و يقدرون المصلحة فيها، و يذهبون فيها مذاهب يرون فيها مصالحهم، و لا ضيرَ لديهم أن يترخّصوا في أمرها عندما تضيق بهم السبُل و الحلول.
لقد بعث رسول الله ( ص ) سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار، يوم فتح مكة، و أمرهم أن يكفوا أيديهم، و لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، لكنّه سرعان ما عزلَه عندما وصله خبرُ مقالته لأبي سفيان: ( اليومُ يومُ الملحمة، اليومَ تُستَحلُّ الحُرمة، اليومَ أذلَّ الله قريشًا )، و أعلنها صدّاحةً: ( اليومُ يومُ المرحمة ، اليومَ يُعِزُّ اللهُ قريشًا، و يُعظِّم الكعبة )، و دفع باللواء إلى ابنه قيس، عوضًا عنه.
و ذلك أنّ غير أبناء العمومة، و الخؤولة، و القرابة و الرحم، لا يعنيه أن تُكسرَ الخواطر، و تزهق الأرواح، و تُنكأ الجراح، و تذهب الرصاصة إلى غير الرأس، و لا يعنيه أن ترمّل نساء الآلاف من غير مُحازبيه، و يُيتم أبناءُ غير جماعته، و تنشأ نزاعات يطول أمدها في البلد الواحد سنين طويلة؛ فهو اليومَ هنا، و غدًا في أرض أخرى، يوقدُ فيها نارًا حامية تحيط بأكباد ندية: ثانية، و ثالثة، و رابعة، و....
لقد ذكرها المعنيون في بلاد أخرى احتدمت بها الصراعات، و حلّت بها الفتن، و كثرت بها الجماعات و الفصائل: ما من حلّ يوشك أن يُعقد، إلاّ و أفسده المهاجرون من البلدان الأخرى؛ و دونَ المشكّكين في ذلك ما كان في العراق، و الجزائر، و من قبلهما أفغانستان.
و تلك آفَةٌ لم يسلم منها حتى النظام، فقد ذكرت تقارير أنّ اشتباكات عنيفة باﻷسلحة الخفيفة و المتوسطة، استمرت ﻷكثر من ساعتين، ليل الخميس:20/ 7، في بلدة نامر شرقي درعا، بين مليشيا عراقية مدعومة من إيران و قوات النظام، عقب محاولة النظام إخراجها من البلدة التي تسيطر عليها منذ 3 سنوات، كأحد بنود اتفاق عمان، الذي ينص على إبعاد المليشيات الإيرانية و حزب الله عن حدود الأردن الشمالية.
وسوم: العدد 730