معركة الأربعة عشر يوما والالتفاف الجماهيري الواسع
الانتصار الذي حققه المقدسيون على مدار أربعة عشر يوما من اعتصامهم أمام بوابات الحرم القدسي، يستوجب التوقف عنده قليلا، بل لا بد من الوقوف عنده كي نقرأ ما بين السطور.
كانت الصفة السائدة للمشاركين في الحراك والرباط هم من فئة الشباب المقدسي من كلا الجنسين. هذه هي المرّة الأولى التي يخوضون فيها معركة جماعية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، في ظاهرها معركة على الأبواب، إلا أنّ ما في باطن الأمور هو الأهم، هذا الجيل الشبابي الذي أثبت حضوره في ليالي الاعتصام، تعرض منذ نعومة أظفاره إلى شتى أنواع السياسات الهادفة إلى تجهليه وحرمانه من امكانية بلوغه مستقبله الوردي المنشود، أُغرق بمستنقع المخدرات، وشُجّع على ارتكاب الجريمة بكل أصنافها، وهدفت أيضا إلى إلحاقه بالثقافة العبرية ليس ليكون عضوا فعالا بها، وإنما كي يتذيّل لثقافة المحتلين، الأمر الذي يؤدي إلى خلق صراع ذاتي في تركيبة الشخصية لديهم، ويجعلهم يطرحون الأسئلة القاتلة للذات حول هويتهم وانتمائهم.
هناك شيء ما جمع بين من تربطه علاقة إيمانية مع المسجد الأقصى، وبين من كانوا على النقيض تماما. مما يدلل على أنّ معركة الأبواب لم تكن بالنسبة لجميع من شارك فيها معركة دينية، بل تعدت ذلك إلى ما هو أبعد. الأبعد المستهدف هو نشوء جيل قادر على التحدي والصمود أمام مخططات محو الذاكرة والذوبان في ثقافة لا تمت بصلة لجذوره، وربما انتبه الساسة في دائرة القرار الإسرائيلي لذلك، فحرصوا كل الحرص على كسر حربة المستقبل، وتلاشي بريق الأمل بالمقدرة والاستطاعة لدى السواد الأعظم للمعتصمين، وقد فشلوا بذلك أمام الروح الشبابية المتواجدة في مجتمع وفّر لها روافد الاستمرار والصمود، ويوما تلو يوم كانت الأعداد في تزايد ملفت للأنظار، فجعلت أصحاب القرار الإسرائيلي يصعدون إلى قمّة الشجرة، ولا يدرون كيف ينزلون من علوها، وبدأوا بالتراجع عن قراراتهم مرّة تلو المرّة حيث تراجعوا خلال أربعة عشر يوما عن أربع قرارات، وهذا أمر غير مألوف في سياساتهم وقد يكون غير مسبوق.
إذن المعركة كانت معركة جيل كامل يعيش بين أسنان ماكينة الطحن للمنظومة الأمنية والاقتصادية والثقافية الإسرائيلية. هذا الجيل هم الشباب، هم من سيشكل ملامح المجتمع المقدسي بعد عدة سنوات وربما لعشرات السنوات القادمة. لذا كان لا بد من الانتصار – حتى لو جزئيا- وكانت خطورة التنازل عن قائمته المطلبية برفض إجراءات الاحتلال ستؤدي إلى هزيمته في أول معركة جماعية له، وتولّد لديه شعور الانكسار وعدم الجدوى من حراكه المستمر على مدار أسبوعين، وبالتالي قتل الرغبة والإرادة لديه في الصمود والتحدي بمفهومها الوحدوي والشمولي في المستقبل. نجحت الاحتجاجات بالحصول على مطالبها، وسنرى سرعة النشوء والتطور المطلبية لدى الشباب المقدسي، بحيث سيتم الانتقال من نضال جزئي إلى آخر على منهج المرحلية والتراكمية.
مع عدم اغفال الالتفاف الجماهيري لمختلف الأعمار، ودور الهيئات الدينية والجماهيرية التي غذّتها العاطفة الدينية، التي تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، فالأقصى جزء من العقيدة.
وسوم: العدد 731