صرخة من جريح
بعد تجربة العراق المرة تحت الاحتلال الإيراني الذي سيطر على كل مفاصل الدولة العراقية عبر مليشيات مرتبطة بولاية الفقيه والتبعية العمياء لكل خزين أحقاد فارس على مر العصور على العرب والعراقيين خاصة فانخرطت في خطط ايران ومشاريعها لتدمير بنية العراق باعتباره السد العربي الشاهق المدافع عن بقاء الأمة ووجودها ومشروعها الحضاري الإنساني، انساقت عن وعي أو جهل مركب وانسياق بليد وراء الطائفية القومية التي نجحت إيران بزرعها بين أوساط الشيعية في بلدان العالم الإسلامي ليكونوا جواسيس وأدوات رخيصة بيد من يحكم إيران، بعد تجربة العراق لمدة 14 سنة عجفاء لم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فقط، بل ارتفعت شمس الحقيقة حتى غطت الأرجاء، فلم يعد مجال لقبول عذر لمعتذر بأنه كان غافلا أو جاهلا بحقيقة نوايا إيران للوصول إلى أهدافها بكل السبل المشروعة وغير المشروعة بل الموغلة في الوحشية والتخلف والسقوط الأخلاقي، فدفع العراقيون أكبر الأثمان في تصديهم الشجاع له ووقفه، ولكن وقوف شعب أعزل إلا من الإيمان بعدالة قضيته، وسط عجز عربي معيب عن تقديم أي إسناد لهذا الشعب الذي كان يقاتل نيابة عن الأمة بل عن الإنسانية جمعاء بوجه الأعاصير الصفراء التي تريد اقتلاع كل ما هو جميل في المجتمع الإنساني، لا بل راح النظام الرسمي العربي يتسابق تحت طائلة الخوف من جحافل الغزو، لتقديم قرابين الرضا تحت أقدام الولي الفقيه الذي يخفي اسنانا تسيل من دماء حقد موروث على العروبة وتاريخها المجيد، فقد أسقط كل الأقنعة بعد نصره الزائل، نراه راح يتمدد من دون خوف وخاصة في الوطن العربي، مع طمع بلا حدود في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف كي تكتمل صورته المزيفة في تقديم نفسه للعالم بأنه يمثل الإسلام الذي نزل على صدر خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وما كان له أن يخفيها وسط سكرة النصر فراحت قطعانه تضرب بعد العراق في سوريا واليمن ولا تخفي زعانف إيران حقيقة نوايا إيران الشر التي كان الخميني قد باشرها في المسجد الحرام عندما ارسل الحرس الثوري لاحتلال بيت الله العتيق عام 1987 فكانت فتنة وقى الله الأمة من نتائجها التدميرية لعاملين أساسيين الأول وجود السد العراقي الشامخ والثاني وجود ملك في المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت وجد نفسه مستندا إلى جدار العراق فتم سحق تلك المحاولة في مهدها.
نعم هذه النوايا الشريرة تراكمت مع عوامل تاريخية أخرى لا تخفى على العربي الحصيف جعلت المشروع القومي الفارسي المتلفع برداء التشيّع أكثر دموية وأكثر شراسة وأكثر انتقامية، فعندما تحول الاحتلال الأمريكي الى مطية غبية أو عن سبق إصرار لدولة الولي الفقيه، افتتحت فارس كل ما لديها من قاموس القتل والتعذيب والتهجير، ربما مستفيدة من تجربة إسماعيل الصفوي في بلاد فارس مطلع القرن السادس عشر مع إدخال تطويرات من تجارب حروب الإبادة التي شهدها العالم منذ حروب القرون الوسطى وقبلها غزو المغول والتتار لبلاد المسلمين، وحروب أوربا في الحربين الأولى والثانية وما رافقهما من فظائع طالت الجميع من دون استثناء، ثم حروب أوربا في مستعمراتها في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأخيرا حروب امريكا في فيتنام والهند الصينية، ثم تجربة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، واخيرا الحروب الأهلية التي شهدتها كمبوديا وحروب الإبادة الجماعية على اسس دينية أو عرقية في بورما وغيرها من البلدان التي لم تمر في سمائها شمس الإنسانية، جاءت إيران مدججة بكل هذه الحصيلة من أحقاد التاريخ لتجربها في العراق ثم تنتقل بعدها إلى سوريا ولم يخف قادة مليشيات الحقد الطائفي نيتهم بالوصول إلى حلم إخضاع المقدسات الإسلامية في أرض الحجاز.
أريد أن أجري مقارنة سريعة بين ما حصل في مواجهات القدس مؤخرا وصمود الرجال والنساء والأطفال وتصديهم الباسل وغير المسبوق لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي حاولت منع الفلسطينيين من الدخول الى المسجد الأقصى المبارك، ولكنها اصطدمت بجدار من الإرادة والاستعداد للتضحية لم يعرفه العرب منذ عقود أو قرون طويلة فانصاعت إسرائيل صاغرة لإرادة الفلسطينيين، وهي التي تتطابق مع إيران في أن أيا منهما لا يستجيب لمنطق العقل بل يخضع لمنطق القوة بذل ومهانة.
ولكن لا قدّر الله هل يتوقع العرب أن الإيرانيين ومليشياتهم يمكن أن يسمحوا مجرد السماح بالاعتراض على تحويلهم للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف الى معبد مجوسي إن تمكنوا منه وقاهما الله من شرور أحفاد أبرهة والقرامطة والمجوس المتلفعين باردية الحسين ورافعي رايات الانتقام لقتلته؟
إنهم إن تمكّنوا منه لا قدر الله فإنهم سيبقرون بطون الحوامل على أبواب المسجد الحرام وسيعتبرونها قرابين لنصرهم على دين التوحيد وسترتفع أعمدة نار المعابد المجوسية في كل الأرجاء وستعلق رؤوس الموحدين على أعمدة الكهرباء لتحكي قصة الحقد الموروث من كل صفحات التاريخ الفارسي في الحقد على العرب وستعلق جثث الأجنّة قبل الأطفال في كل مكان، فاستفيقوا أيها العرب لما يراد لدينكم وارضكم وتاريخكم قبل ألا ينفع الندم أو الغضب، ولكم في صور الفظائع التي ارتكبتها مليشيات إيران في العراق وسوريا الدليل الزاجر عن الخلود إلى الطمأنينة أو النوم، فهل تكفي هذه الدروس ام أن صرخة نصر بن سيار ستذهب أدراج الرياح كما ذهبت قبلها صرخات آلاف مستصرخيكم ولكنكم تجاهلتم المحذرين والنازحين والمظلومين لأنكم استرخيتم إلى الأماني وارتضيتم لأنفسكم وصاية من يرقب فينا وفيكم إلاّ ولا ذمة؟
د.نزار السامرائي
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 731