ألمنا وألمهم في الشام
لم يبق لمواطني شعوب الربيع العربي بشكل عام -وفي الشام خاصة- ما يفقدونه في ظل عجز الاستبداد الداخلي والخارجي عن كسر إرادتهم التوّاقة والمتشوّفة نحو الحرية وتكسير قيود الذل والعبودية التي كبّلتهم لعقود. تنظر إلى سوريا واليمن وليبيا ومصر وغيرها، ومن قبل فلسطين الحبيبة، تجد رصيد الثبات والصمود الشعبي يكسر يومياً إرادة المستبدين في الداخل وداعميهم وسدنتهم وكفلائهم في الخارج، فمن قال إن الدم لا يهزم السيف.
يكشف معهد تشاتام هاوس البريطاني العريق عن أن قوات النظام السوري لم يبق منها إلا الخمس، في ظل ثبات وصمود الشعب السوري بوجه الآلة الجهنمية الطائفية، ومن خلفها قوى الاحتلالين الروسي والإيراني. يحصل هذا ونحن والعالم معنا يتابع صمود مقاتلي فيلق الرحمن وغيره من الفصائل الثورية بوجه البربرية الأسدية تساندها الميليشيات الطائفية الأجنبية. ووفقاً للخبراء العسكريين المعروفين، فإن أي جيش في العالم حين يتبقى نصفه فهذا يعني خروجه بشكل كامل عن جاهزيته.
وبنظرة سريعة على دور النظام السوري في محادثات خفض التوتر وفي الهدن المحلية، يظهر بوضوح حرمانه حتى من المشاركة فيها؛ فمن قبل كانت المفاوضات تجري بين الثوّار والاحتلال الإيراني أيام القصير وحمص والزبداني، واليوم تجري الهدن بين الثوّار والاحتلال الروسي، كل هذا يؤكد أنه لم يتبقّ من النظام السوري إلا كونه بيدقاً تغطي به قوة الاحتلال سوأتها بحجة الشرعية، ولم يتبقّ بالمقابل أمام قوات الاحتلال وهي تتحمل عبئاً ضخماً بإدارة بلد بحجم سوريا، إلا البحث عن خفض التوتر. ووفقاً لما رشح عن السفير الدنماركي السابق في دمشق والباحث في المعهد الكندي للشؤون الدولية رولف هولنبو، فإن «روسيا تريد حلاً سياسياً سريعاً في سوريا؛ لأن تكلفة الحرب عالية، ولأنه كلما طالت مدة الحرب ضعف احتمال استثمار نجاح بوتين في سوريا». وللتذكير، فإن مارس من العام المقبل هو موعد الانتخابات الرئاسية الروسية، وهو ما يدفع الروس للتعجيل بتسوية الثورة السورية.
تعلمنا من التاريخ أن لا مستقبل لاحتلال أجنبي، ومع كل الصور اليومية التي نراها من تحول نظام الأسد إلى ميليشيات تتحرش بالبنات في شوارع دمشق، وقتلت بالأمس مدير القسم الجنائي بمصياف الرائد محمد عبدالعزيز درويش، وفقاً لوسائل إعلام موالية للنظام فإن الملازم شرف بلال ساطور المرافق له قُتل معه، حين حاولا القبض على أحد عناصر ميليشيا النظام المدعو محمد حسين علوش، فرمى على سيارتهما قنبلة يدوية، وكانت مثل هذه الحوادث تكررت في الفترة الأخيرة بمعاقل النظام، كل ذلك يشير إلى الحالة الخطيرة التي تهدد النظام وأسياده؛ فروسيا لا تقوى على تمويل احتلالها وعملياتها العسكرية بسبب واقعها الاقتصادي.
أخيراً، جلس قادة العالم بعد عام 1940 إثر المذابح الجماعية التي تعرّضت لها أوروبا بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانية ليصرخوا كفى قتالاً ودماراً وإبادة للبشرية! فمتى سيدرك العالم أن القتل والقتال والإبادة في الشام والعراق واليمن ومصر وليبيا وفلسطين لا يمكن أن تكون حلاً، وأن الحل بالاعتراف العالمي بحقوق شعوب هذه الدول بالعيش بكرامة بعيداً عن «البوط» العسكري الذي دعموه بما فيه الكفاية، وهو ما كلّفنا عشرات الملايين من القتلى، وتريليونات الدولارات ربما، ووووو، ولا يزال من يدعمونه في دمشق يطالبون المعارضين المستسلمين له بتقبّل «البوط» الذي داسهم وركلهم وقتلهم لعقود، بل ويتفاخر بنسيج مجتمعي متجانس ثمنه جلب احتلالات لبلاده وقتل مليون من أبناء شعبه وتدمير 50 % من البلاد.
وسوم: العدد 734