جوبر: أسطورة الصمود
كتبت عن الثورة قريباً من ألف مقالة، نشرت أوّلَها في الثاني والعشرين من آذار 2011 وآخرَها صباح اليوم، فما رجعت في واحدة منها إلى إعلام النظام ولا ظننت أنني يمكن أن أفعل أبداً، حتى جئت اليوم أخالف ما ألِفْتُه ودرجت عليه، فأعتمد في كتابة هذه المقالة كلها على إعلام العدو لا على سواه.
فيما يأتي طائفة مختارة ممّا نشرَته مواقعُ وصفحاتٌ موالية للنظام، تُصوّر بعضاً من معاناة ومأساة العدو في معركة جوبر الخالدة.
* * *
"ما هو سرّ استعصاء جوبر حتى الآن؟ لقد سلبت هذه المدينة أجملَ رجال وشباب الوطن وتسببت بحالات بتر كثيرة وصُرفت عليها أكبر فاتورة حربية في معارك سوريا". هذا ما نشرته صفحة "عرين الحرس الجمهوري" في الثلاثين من تموز، على رأس ستة أسابيع من بدء حملة النظام اليائسة، فعلّق أحد عناصر الحرس الجمهوري على المنشور قائلاً: "أنا أصبت فيها بلغم وطلقة قناصة، وحتى لحظة الإصابة لم أكن قد رأيت أي مسلّح من مسلّحيها. إنها مدينة أنفاق وأشباح"!
"سيدي سيدي، من تحت الأنقاض يطلعون ويقوّصون علينا" [أحد عناصر الفرقة الرابعة في اتصال لاسلكي مع قيادته، 4/8].
"يكفينا شرف المحاولة" [كلمات ردّدها عناصر الفرقة الرابعة بعد عجزهم عن اقتحام جوبر لليوم الخمسين على التوالي، 8/8].
"معركة تحرير جوبر هي أم المعارك، وقد تستغرق وقتاً طويلاً. لا تنظروا إلى جوبر كمساحة جغرافية صغيرة، لأن إرهابيّيها جعلوا منها مدينة أشباح تسكنها هياكل بشرية إرهابية تمرست بسفك الدماء. إنهم فوق الأرض وتحت الأرض. تحت الأرض توجد مدينة أخرى، حارات وبيوت جوبر تحتها بيوت وحارات أخرى. ما في جوبر هو خلاصة تجارب إرهاب العالم، أعان الله جيشنا على تحريرها" [صفحة "الغوطة الشرقية قادمون"، 11/8].
"تعتمد القوات الحكومية المتواجدة شرق العاصمة دمشق على العديد من الإستراتيجيات الهجومية لاستعادة السيطرة على مدينة جوبر الإستراتيجية. الأمور لا تسير كما كان مخططاً لها، وهو ما يعطي التنظيمات الإرهابية المزيد من الوقت لتدعيم إستراتيجياتها الدفاعية التي تم تطويرها على مدار ست سنوات من القتال وتحولت فيها المعارك إلى حروب تحت الأرض، مما يزيد الأمر صعوبة في السيطرة عليها من خلال الطرق التقليدية" [القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية، 13/8].
"رسالة وردت إلى قاعدة حميم: بخصوص معارك عين ترما وجوبر واحتمال عقد هدنة برعايتكم الكريمة: نرجو منكم أن تحققوا الهدنة فوراً أو أن تتدخلوا عسكرياً لحسم المعركة، فلا أحد يقبل بما يحدث على هذا الحال، شهداء وخسائر كبيرة لنتقدم بناء أو بنائين. إن جوبر مدينة تحتها مدينة، والضباط لا يهتمون، يرسلون العساكر ليستشهدوا. نتمنى منكم التدخل فوراً وإنهاء هذه المهزلة". جواب القاعدة: "لا زلنا ندرس إمكانية إنهاء الصراع الدائر الذي لم يُحسَم حتى الآن، وهذه الإمكانية مُناطة بقدرة الفرق العسكرية الحكومية على إنجاز مهامها القتالية" [القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية، 16/8].
* * *
في السابع عشر من حزيران الماضي بدأت قوات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة هجوماً شاملاً على جوبر بعد إغلاق ملفات برزة والقابون وحي تشرين. كان الهجوم مباغتاً وشرساً جداً، استعان فيه العدو بأعداد هائلة من مقاتلي النخبة الذين احتفظ بهم في العاصمة طوال سنوات الثورة من أجل معارك العاصمة حصراً، واستعان معهم بعشرات الدبابات والمدرعات، مع إسناد مدفعي وصاروخي وقصف جوي مركّز كثيف، ومع الاستعانة بغاز الكلور السام الذي قُصفت به جوبر عشرَ مرات حتى الآن.
لعل العدو ظن أن المعركة قصيرة وأن الانهيار سريع، فانطلق الغُزاة في نزهة حالمة، يحسبون أنهم ينجزون المهمة الغادرة نهاراً ويبيتون ليلاً في البيوت. فطال ليلهم حتى أمسى بطول الأبد، وما لبثوا أن أدركوا -أسِفين متأخرين- أنهم سلكوا سَرَباً ليس له منفذ وسقطوا في أخدود ليس له قرار.
ما يزيد عن خمسين محاولة اقتحام فاشلة في شهرين خسر العدو فيها نحو ألف عنصر بين قتيل وجريح من صفوة قوّاته، الفرقة الرابعة وفرقة الحرس الجمهوري، وخسر عشرات الدبابات والآليات.
* * *
خلال سِتّ سنوات من عمر الثورة أصيبَ النظام بهزائم كثيرة، ولكنْ لا ريب أن أسوأ كوابيسه وأعظم هزائمه كانت في جناحَي دمشق المحلِّقَين: داريّا وجوبر. لقد كتبت داريا بصمودها الأسطوري صفحاتٍ خالداتٍ في سجلات المجد والعَلاء، وها هي جوبر تمشي على الدرب نفسه وتضيف إلى السجلّ الناصع صفحات جديدات كُتِبْنَ بالدم وكرائم التضحيات.
القوة الضاربة ونخبة قوات نظام الاحتلال الأسدي، الفرقة الرابعة وفرقة الحرس الجمهوري، لم يمرّغهما أحدٌ في أوحال الذل والمهانة والهزيمة كما فعلت داريا أولاً وجوبر آخِراً. بوركتِ يا داريا، بوركتِ يا جوبر، عليكما وعلى مقاتليكما الشرفاء سلام الله في الخالدين.
وسوم: العدد 734