إجراءات أميركية تجارية قاسية ضد الصين
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية نقلا (ستراتفور Stratfor/واشنطن)
ترجمة: وحدة الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
يخطط البيت الابيض للبدء بتحقيقات جديدة في ممارسات الصين التجارية وحماية الملكية الفكرية. وتؤكد هذه التحركات ان المباحثات بين الولايات المتحدة الامريكية والصين قد تحطمت في ظل توقعات واشنطن ان بكين ستقدم المساعدة في كبح جماح برنامج كوريا الشمالية النووي.
وفي خضم خطة المائة يوم حول التجارة التي اعقبت اجتماع الرئيس الامريكي دونالد ترامب في شهر نيسان الماضي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، واستمرار الممارسات العدوانية لبيونغ يانغ في برامجها الخاصة بالأسلحة النووية، اوضح البيت الابيض انه لا صبر له في التعامل مع الصين قبل ان يعلن تغريدته في 29 تموز الماضي في انه "خاب املي في الصين بعدم التعامل مع كوريا الشمالية".
والان في ظل تجميد المحادثات التجارية الشاملة، تتبع الولايات المتحدة الامريكية اجراءات أكثر قسوة ضد سياسة الصين الاقتصادية – رغم احتمالات التراجع عن هذا الموقف إذا دعت الحاجة لذلك.
وحسبما اوردته بعض التقارير، سيقوم مكتب الممثل التجاري الامريكي بالتحقيق في مجالات نقل الصين للتكنولوجيا بموجب القسم 301 من قانون التجارة لعام 1974، حيث تطلب بكين من الشركات الاجنبية المشاركة في التقنيات مقابل السماح لهم في الاستثمار في الصين او الدخول في السوق الصيني الكبير والمغري.
ومن المتوقع ان يعلن التحقيق بالأمر خلال الايام القليلة القادمة من خلال أمر تنفيذي يعلنه الرئيس ترامب والذي سيشمل اجراءات التنفيذ المتعلقة بالتجارة والاستثمار والملكية الفكرية.
أداة قوية... ولكن محددة
تعد تحقيقات القسم 301 المشار أليها من ادوات التنفيذ التجارية الموجودة تحت تصرف الرئيس ترامب والممثل التجاري الامريكي روبرت لايتهزير Robert Lighthizer.
فمن الناحية النظرية، توفر تحقيقات القسم 301 للمثل التجاري القدرة على اجراء التحقيقات واصلاح اي من "الممارسات التجارية غير العادلة" التي قد تشمل جميع الخروقات المحتملة للدول في التزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية والاتفاقات التجارية الاخرى. وكذلك اي من الممارسات "غير المعقولة او التمييزية ضد التجارة الامريكية او التي تقيدها بالأعباء الاخرى".
ويذكر انه قبل تأسيس منظمة التجارة العالمية واستحداث التفاهمات في مجال تسوية الخلافات، كان القسم 301 الخاص بالتحقيقات الاسلوب الرئيس في الولايات المتحدة الامريكية الذي يجبر الدول على التفاوض في بعض القضايا التجارية المحددة.
وربما من أفضل الاستخدامات المعروفة للقسم 301 المتعلق بالتحقيقات حدث في عام 1980 عندما تفحصت الولايات المتحدة الامريكية الحواجز التي وضعتها اليابان ضد الصادرات الامريكية على صناعات اشباه الموصلات. كان مجرد التهديد باستخدام القسم 301 في العقوبات ضد اليابان، أجبر طوكيو على الدخول في اتفاق مع واشنطن.
وإذا وجدت الولايات المتحدة الامريكية ان الصين تخرق التزاماتها او تضيف اعباءً على التجارة الامريكية، فإنه من المحتمل ان تقوم بعدد من الاجراءات بهذا الصدد، بضمنها تحديد الواردات بفرض الرسوم عليها او وقف المعاملات التفضيلية بموجب الاتفاقيات التجارية مع منظمة التجارة العالمية على سبيل المثال. ويجب ان تكون الاجراءات التي ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية متناسبة، رغم ان التناسب سيتحدد حسب التصرف في الموضوع الخاص بالتجارة.
وهناك العديد من العوامل التي تقيد الولايات المتحدة الامريكية في استخدام التحقيقات بموجب القسم 301، طالما ان منظمة التجارة العالمية أسست اجراءاتها في مجالات التفاهم في تسوية الخلافات، حيث ان القسم 301 قد أصبح خارج نطاق الموضة. ففي الحالات الاولى بين الولايات المتحدة الامريكية واوربا التي شملتها مواد القسم 301، استبعدت لائحة الخلافات الخاصة بمنظمة التجارة العالمية ان تكون الولايات المتحدة قد خرقت التزامات المنظمة بإتباعها العقوبات من طرف واحد ضد اعضاء المنظمة العالمية بدون الرجوع الى قنوات حل الخلافات الخاصة بالمنظمة.
فضلا عن ذلك، يتطلب القانون الامريكي ان تقوم الولايات المتحدة الامريكية بملاحقة اي خروقات لقواعد منظمة التجارة العالمية من خلال المنظمة نفسها. وعلى وجه التحديد. فالتشريعات الداخلية الامريكية تساعد في الدخول الى منظمة التجارة العالمية، ليس فقط في التزام الممثل التجاري الامريكي بآلية الخلافات، بل في اجبار الولايات المتحدة على الامتناع عن اتخاذ اي تصرف اذا لم توافق عليه منظمة التجارة العالمية. ويؤدي هذا الى منع الرئيس ترامب من اتخاذ تصرف فردي لأهداف سياسية.
إن اي محاولة للإلتفاف حول اجراءات منظمة التجارة العالمية لا يعد تحدياً للمنظمة فقط – اذ من المؤكد خسارة الولايات المتحدة الامريكية – وانما يشمل الموقف في المحاكم الامريكية حيث يمكن للشركات المتأثرة بالقرارات الامريكية مناقشة الامر على صعيد المحاكم باعتبار ان مكتب ممثل التجارة الامريكية لا يتبع القوانين الامريكية يما يخص الاجراءات المضادة للقسم 301، أي بمعنى ان التشريعات تقيد ادارة الرئيس ترامب في العمل ضد منظمة التجارة العالمية بإسم السيادة القومية.
وتطبق هذه التقييدات عندما يتصرف الممثل التجاري الامريكي في تحقيقاته ضمن الامور التي تشملها منظمة التجارة العالمية. ويمكن ان تناقش الولايات المتحدة الامريكية هذا الامر بأن بنود اتفاقية منظمة التجارة العالمية لا تشمل بعض الاجراءات التجارية الصينية، رغم شمول موضوعات حقوق الملكية الفكرية وانتقال التكنولوجيا. وفي الواقع، بينت الولايات المتحدة في عدد من البيانات الرسمية ان هذه الممارسات تشمل التزامات الصين تجاه منظمة التجارة العالمية.
قضية سياسية متصاعدة
هناك حقيقة اخرى حول اجراءات تحقيقات القسم 301 في انها تستطيع اجبار الممثل التجاري الامريكي على طلب المفاوضات مع الصين لحل الخلافات. ففي السابق كانت هذه الاداة القوية لأنها المطرقة التي تتعامل مع كل مشكلة بإعتبارها مسماراً. وبالتالي نجاح القسم 301 سيؤدي الى اجراءات مهمة ضد الصين. فعندما هُددت الصين والدول الاخرى بهذا القسم، كما حدث الامر مع اليابان وصناعة اشباه الموصلات في الثمانينات من القرن الماضي، اجبر هؤلاء على الرضوخ والجلوس على مائدة المفاوضات.
وليس من مصلحة الصين ان تقوم الولايات المتحدة الامريكية باتخاذ اجراءات تجارية ضدها، وكذلك فأن موضوع رغبة الصين في الحصول على التقنيات اصبحت قضية سياسية في الولايات المتحدة الامريكية – واوربا ايضاً - خلال السنوات القليلة الاخيرة عندما قامت الشركات الصينية بشراء الشركات التقنية. وبالتالي ازالة الهوة بين الشركات التقنية الصينية ومنافسيها في اوروبا وشمال امريكا واليابان وتايوان وكوريا الشمالية. ويلاحظ ان المانيا وفرنسا وايطاليا دفعوا الاتحاد الاوربي بمنع سيطرة الشركات الاجنبية –وخصوصاً الصينية منها– لأسباب اقتصادية مقارنة مع موضوعات الامن القومي.
وقد شهد وزير الدفاع الامريكي جيمس ماتيس امام الكونغرس الامريكي، في بداية هذا العام، ان النهوض التقني الصيني يهدد الامن القومي الامريكي. وفي ضوء الاسناد الصيني لكوريا الشمالية، أرسل النائب الديمقراطي وزعيم الاقلية تشاك شومر رسالة الى الرئيس ترامب يدعوه لاستخدام التحقيقات الخاصة بلجنة الاستثمارات الاجنبية في الولايات المتحدة ومنع جميع محاولات السيطرة الصينية داخل البلاد.
أما بالنسبة للصين، فإن التحقيقات في مجالات الملكية الفكرية ستصيب قلب استراتيجيتها الاقتصادية، وبالتالي لا تستطيع بكين ولن تنحني بسهولة امام الضغوط الامريكية. وبدلاً من ذلك، ستناقش الصين بأن محاولاتها تتوافق مع قانون منظمة التجارة العالمية الذي هو من الاهمية بمكان، وليس الآراء او الايحاءات السياسية الامريكية.
ان الحصول على التقنيات –وخصوصاً التقنيات المتقدمة – الامر المركزي في برنامج (صنع في الصين لعام 2025)، وبالتالي فإن خطة الصين المتعلقة بالانترنت ضمن برنامج 2025 هي تهدف الى اعتماد الصين على التقنيات الاجنبية في مجالات المعدات والبرامج والقطاعات المتعلقة بهما، والقفز بالقدرات التصنيعية الى مدى اكبر من مديات المنافسين الاوربيين.
وتقوم بكين باستخدام العديد من الادوات لاتباع وتنفيذ خططها، بضمنها اسناد الدولة للشركات الحكومية والخاصة، وسياسات التشغيل والترابط غير الرسمي من خلال الحزب الشيوعي وعلاقته بقيادات الشركات. تعد هذه السياسة امراَ مهما بالنسبة لطموحات الرئيس الصيني شي جين بينغ الكبيرة في تحقيق التوازن في الاقتصاد الصيني. وإذا وضعنا في المنظور ضعف الصين في هذه القطاعات، فإن أكبر استيراداتها كانت في اشباه الموصلات والدوائر المتكاملة ومكوناتهما، التي بلغت 6ر227 بليون دولار في عام 2016، او 14% من الاستيرادات الصينية.
يعد هذا الرقم اكبر بـ 50 بليون دولار من استيرادات الصين من الطاقة. وبالتالي انه ضعف استراتيجي تحتاج وترغب الصين في تصحيحه، ولكنها من اجل تحقيق ذلك تحتاج الى الحصول على التكنولوجيا. وان تصنيع الرقاقات وتصميمها ما هما الا جزء من حلقات اشباه الموصلات والدورات المتكاملة، وبالتالي ترغب الصين في تحسين قدراتها في هذه المجالات ايضاَ,
في عام 2016، استخدمت الصين 45% من صناعات اشباه الموصلات في العالم، الا ان 55% منها استخدمتها في تصنيع المعدات من قبل الشركات متعددة الجنسيات التي تستثمر في الصين، بدلاً من استخدامها من قبل الشركات الصينية. وتأمل الصين زيادة قدراتها الخاصة بالشركات متعددة الجنسيات، وكذلك في صناعة اشباه الموصلات الصينية. وعلى كل حال، فأن العديد من التكتلات التكنولوجية الصينية ستظل معتمدة على التقنيات الاجنبية، واستيراد اشباه الموصلات، او تعتمد على الصناعات المحلية المتخلفة بجيلين او ثلاثة اجيال مقارنة بشركات مثل سامسونغ وبقية الشركات.
وإذا ركزنا على هدف الملكية الفكرية والحصول على التقنيات، تقوم ادارة الرئيس ترامب بالتركيز على انتقاد السياسة الصينية السابقة، الا ان الصين تعدها الاستراتيجية الاقتصادية الاولى لبكين. كما ان هذه السياسة حرجة بالنسبة لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة التي حافظت على ابقاء نمو اقتصادي ثابت وقوي لتخفيف اي من التهديدات الداخلية ان كانت اراء سياسية او قضايا معارضة مثل البطالة.
وهكذا، فأنه من غير المتوقع ان تخضع الصين للضغوطات الامريكية، وحتى لو حدث ذلك في ضوء التهديدات الامريكية بتحقيقات القسم 301، فإن هذا الامر سيستغرق وقتاً طويلاً وسيكون من الصعوبة بمكان النظر في الخلاف بين إدارتي الرئيسين ترامب وشي.
* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com
وسوم: العدد 736