نماذج سياسية وإنسانية ، في تعامل بعض الحكّام مع الجار والحليف !

( إذا كان لابدّ من ضرب الأمثلة ، أحياناً ، لتوضيح الصورة ، فإننا نكتفي هنا ، بموقفين بارزين في التاريخ الحديث ، ومستمرّين في ذاكرة التاريخ نفسه ، وفي ذاكرة الأجيال ، إلى أمد بعيد .. وهما :

/1/ موقف زعيم عربي ، حشِدت على حدود دولته حشود عسكرية ضخمة ، ليسلم مجموعة من الأشخاص ، لجأوا إليه ..  إلى حكام دولتهم ، الذين فرّوا من ظلمهم واضطهادهم .. فأبى تسليمهم ، ووقف وقفة فيها من الأنفة والشموخ والعزّة ، مالا يمحوه الزمن ، وتحدّى الحاكمَ الجار، الذي يهدّده بالحرب .. تحدّاه بكل شهامة الرجال ، أن :  /تفضّلوا وجرّبوا أنفسكم في اقتحام بلادي .. وستكتـشفون خطأ حساباتكم !/ فأعاد للجوار معناه العربي الإسلامي الأصيل ، الذي كاد يغطّيه غبار الذلّة والهوان ، المتراكم في سماء الأمّة وأرضها ، من سنين طوال !

/2/ موقف الحاكم نفسه ، الذي حشد عسكره مهدّداً ، ثم انسحب خائباً .. موقفه من حشد عسكري ، حشِد على حدوده من دولة جارة ، تهدّده بالحرب ، إذا لم يسلمها بعض مواطنيها الذين عنده من سنين ..! إذ خَنع خنوعاً عجيباً ، وأعطى الدولة الجارة المهدّدة ، كل ماأرادته .. متآمراً معها على تسليمها اللاجئين لديه ، بأسلوب خبيث ، في دولة قريبة،  بعد إبعادهم من دولته .. بل متخلياً للدولة الجارة التي تهدّده ، عن إقليم واسع من أرض بلاده ، ظلت حكومات دولته تطالب به عشرات السنين ..!

ثم جاء ابنه من بعده ، خلفا له في السلطة ، وسار على نهج أبيه ، في الغدر بمن يلجأ إليه مستجيراً ، فأسلم مجموعة من اللاجئين العرب ، الذين التجأوا إليه ، هرباً من ظلم دولتهم غير العربية .. أسلمهم إلى حكّام دولتهم ، ليعلقوهم على أعواد المشانق ، بعد أن حبسهم هو في سجون دولته ردحاً من الزمن ، دون مراعاة لخلق أو ضمير، أو أيّ معنى من معاني المروءة أو الشهامة أو النبل ، أو حفظ حقوق الضعيف المستجير ..! وكرّر الأمر نفسه مرّات عدّة ، مع لاجئين آخرين من الدولة ذاتها ، فأسلمهم بالطريقة ذاتها ، ليذبحوا بالطريقة ذاتها ! ( ونذكّر بأن هذه حقائق تاريخية ، لايمكن نسيانها ! ولو نسيها فرد ، أومجموعة من البشر ، ظلت راسخة في ذاكرة الأمّة ، وفي صفحات التاريخ ، على مرّ العصور ..!) .

وهكذا تظهر الفروق ، بين رجل ورجل .. وبين حاكم وحاكم .. وبين إنسان وإنسان! وقد تجنّبنا ذكر الأسماء ، لأسباب عدّة ! من أهمّها أن المواقف المذكورة ، ماتزال حيّة في أذهان الناس ، لأنها قريبة العهد ، وأصحابها معروفون لكل مهتمّ بالشأن العام .. بل معروفون لشعوب المنطقة كلها ، محفوظة أسماؤهم ، بل محفورة ، في قلوب الناس وعقولهم ! وإذا كان الأنذال يَعدّون الغدر سياسة ، فإن الكرام يّعدّون الوفاء قمّة السياسة ! لأن السياسة التي تسقِط مروءات الرجال وأخلاقَهم ، في نظر أنفسهم ونظر الناس ، وتلصَق بتاريخهم على مرّ الزمن ، لاتسمّى سياسة ! بل ينظرون إليها ، كما نظر الشاعر أبو تمّام ، ذات يوم ، إلى العار ، حين قال :

ونَـفسٌ تَعاف العارَ ، حتّى كأنّما     هو الكفرُ، يومَ الرَوعِ ، أو.. دونَه الكفرُ !

وسوم: العدد 737