ماذا خسرت مصر باستهداف العسكر للإخوان؟
بالأمس اشتكت إحدى الممثلات المساندات للانقلاب في مقطع فيديو، من ارتفاع مصروفات المدارس.
المؤشر الأهم فيما قالته هو ان موجات الغلاء قد طالت الطبقة الغنية التي لا تشعر في الغالب بتقلبات الأسعار. وللغلاء في مصر أثر كأثر خطوات أقدام الفيل. الشجيرات منخفضة الارتفاع تضرر من خطوات الفيل, بينما تظل قمم الأشجار في مأمن. ولكن هذه المرة اختلف الأمر, فقد طالت خطوات الفيل قمم الأشجار بطريقة ما.
ربما لم تدر هذه الممثلة وغيرها ممن شاركوا في التظاهر في 30 يونيو, أنهم وهم ينزلون من بيوتهم يومها, كانوا على وشك الضغط على زر تدمير المجتمع. لم يدر أي منهم أنهم كانوا ينزعون صمام الأمان من المجتمع كله. البعض يغالي في تنزيه الإخوان المسلمين عن العيوب بينما يتطرف البعض الآخر في وصمهم بكل اتهام, بدءاً من سقوط الاندلس وحتى تهمة الإرهاب المزعومة.
ولست هنا بصدد الرد على هذه الاتهامات، فالجميع صاروا الآن يدركون هزليتها وهي تهم كوميدية لا يمكنك ان تأخذها على محمل الجد. فقط عليك أن تتحلى ببعض الحيادية لتدرك أن الإخوان المسلمين هم صمام الأمان للمجتمع وأن استهداف العسكر لهم، كان بمثابة إطفاء الأنوار على مصر كلها. فخلال ثمانين عاماً من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، صاروا العمود الفقري للمجتمع.
فقط قم بإجراء دراسة سريعة عن تدهور الخدمات الصحية في مصر بعد الانقلاب, أو لوضع الخدمات الخيرية, لتدرك ما أعنيه. كان الإخوان المسلمين يسدون النقص المجتمعي على قدر طاقتهم, حتى إذا وقع الانقلاب وصودرت أموال الإخوان ومستوصفاتهم الخيرية, انكشفت سوءة حكومات العسكر وبدأ النظام الصحي في مصر يئن. ولك أن تتخيل وجود مستوصف خيري واحد يغطي احتياجات آلاف في منطقة ما ثم تأميم هذا المستوصف بضغطة زر.
ما فعله العسكر هو أنهم داسوا جروحاً مفتوحة بدلاً من تضميدها, فصار المجتمع كله يصرخ. ورغم أن هذا الأثر التدميري لم يغب بطبيعة الحال عن أذهان من وقفوا خلف الانقلاب العسكري, لكن ما غاب عنهم هو أثر ذلك على المدى البعيد على فكرة الدولة نفسها. فالإخوان المسلمون صاروا خلال ثمانين عاماً, العمود الفقري للمجتمع. والجسد لا يستطيع الوقوف إذا اصيب عموده الفقري. اصيبت مصر كلها بالشلل. فمن ناحية حدث خلل قيمي وهو خلل شبيه بما حدث في الفترة التالية لانقلاب يوليو 1952.
ومن ناحية أخرى, كان الأثر المباشر هو إفقار عدة مئات من الآلاف يصعب حصرهم. وبالاضافة إلى ذلك, كان امتداد الفقر لعدة طبقات دافعاً لمؤسسات العسكر لمحاولة تغطية هذا النقص ومحاولة التكسب اقتصادياً من وراءه، فصارت مؤسسات المخابرات توزع اللحوم والخضروات .. الخ وهو ما تسبب في تعرية منظومة العسكر الخدمية وزيادة مساحة تعرضها السياسية واصبحت أكثر هشاشة في مواجهة النقد السياسي وانكشفت المؤسسة العسكرية كمؤسسة صاحبة مطامع اقتصادية وغير هذا كثير من النتائج الكارثية التي لحقت بالعسكر بعد الانقلاب.
أما الأثر الأبعد، والذي لابد أن العسكر قد شعروا به الآن هو جفاف الساحة السياسة وخلوها من الحيوية والأمر أشبه بحالة موت اكلينيكي كامل دون مبالغة.
وإذا أردت أن تتبين عمق حالة الجفاف التي ضربت الساحة السياسية في مصر, فانظر إلى المظاهرات الحاشدة التي خرجت تنديداً بالمجازر الوحشية التي يتعرض لها إخواننا الروهينجا. خرجت المظاهرات في عدة بلدان اسلامية ولكنك إن نظرت إلى مصر لوجدت أرضاً يابسة متشققة تماماً كما كان الأمر أثناء أحداث الأقصى الشريف. فالإخوان المسلمون هم محرك الحياة السياسية في مصر, فإذا توقف المحرك، صارت النتيجة أحزاب مفتعلة كتلك الأسماء التي لا تثبت في الذاكرة والتي اصطنعها العسكر ليملأوا بها برلمانهم الذي لم ينتخبه أحد.
فإذا خلت الساحة السياسية من الإخوان المسلمين, صارت كالأرض البور. هذا بعض ما خسرته مصر باستهداف العسكر للإخوان المسلمين في أعقاب الانقلاب.
وسوم: العدد 737