انعكاس التفاهمات التركية ـ الإيرانية على المشهد في إدلب
على الرغم من مضي عشرين يومًا على " أستانا 6"، الذي كان من مخرجاته ضمّ إدلب إلى مناطق خفض التصعيد، كمنطقة رابعة، و تفويض تركيا بالدخول إليها؛ لضمان وقف إطلاق النار، بمشاركة روسية ـ إيرانية على أطرافها من جهة النظام.
إلاّ أن تركيا توخّت الحذر في تحرّكها باتجاه إدلب، و ذلك لحساسية الموقف، و تعقيدات المشهد فيها، من جهة التهديدات التي تطلقها " هيئة تحرير الشام "، و المجموعات المتحالفة معها، في التصدي لهذا التحرّك؛ باعتباره انتهاكًا لمناطق نفوذها، و تناغمًا مع مساعي الغرب الصليبيّ في تقسيم سورية، و إنهاء الجهاد الشاميّ.
و الأمر في حقيقته لا يعدو ـ بحسب عددٍ من المراقبين ـ إنهاءً لمشروع الإمارة التي طالما حلُم به تنظيم القاعدة، بعد سلسلة الإخفاقات التي أصابته في مشواره نحو ذلك، بدءًا من أفغانستان مرورًا بالصومال و العراق و انتهاءً بسورية.
و لاسيّما بعد صيالها على الفصائل المحليّة، و أخذها الحراك السوريّ رهينة لذلك، و بسط سيطرتها على إدلب و أطراف من محافظات " حلب، و حماة، و اللاذقية "، و إزالة كلّ ما تمّ العمل عليه من مؤسسات المجتمع المدني، و قوى الثورة، و المنظمات الدولية من بُنى و هياكل.
صحيحٌ أن الضوء الأخطر قد أعطي لتركيا من روسيا في التحرّك نحو إدلب، باعتبارها الباسطة يدها على الملف السوريّ لوجستيًّا، إلاّ أن الأمر ما زال بحاجة إلى رضا أمريكي، و قد كان شيءٌ من ذلك في لقاءات أردوغان مع ترامب، على هامش الدورة " 72 " للجمعية العامة للأمم المتحدة.
و لكن ما زال الأمر بحاجة إلى الضوء الأخضر الإيرانيّ، فتركيا لا تستطيع أن تدخل إدلب من غير غطاء قانونيّ، و هو ما يزال النظام يملكه، بغض النظر عن انكماش ذلك لصالح القوى الدولية، المتواجدة على الجغرافية السورية.
و هو الأمر الذي لا يبتّ به النظام من غير التفاهم مع إيران؛ لذلك ما على تركيا إلاّ أن تجلس مع الإيرانيين على طاولة المصالح، التي ستقودها ضمنًا للحديث عن طبيعة التحرّك المنتظر منها في إدلب.
و هو الأمر الذي ضمنه أردوغان بمجرّد التوقيع على حجم تبادل تجاريّ يصل إلى " 30 " مليار و بالعملات المحلية.
إنّ خيار دخول تركيا إلى إدلب، فضلاً على أنّه ضمن تفاهمات دولية، أصبح خيارًا أمنيًا لها يندرج ضمن مصالحها العليا، و لذلك كان التمديد لعمل قواتها المسلحة في سورية و العراق، موضوعًا جامعًا بين الأحزاب التركية الممثلة في البرلمان، و أصبحت خطط الـ Pkk في الوصول إلى سواحل المتوسط هاجسًا مؤرّقًا لتركيًا بحسب ما صرّح مؤخرًا وزير داخليتها.
إنّ سيناريو دخول تركيا إلى إدلب برفقة الفصائل المحلية، هو أفضل لسورية و لمصالح السوريين من السيناريوين الآخرين، فكلاهما يتربص بإدلب شرًّا، و يجعلها تتجه إلى مآلات " الموصل و الرقة "، بعيدًا عن مصالح أصحاب الأفق الضيقة، و لاسيما من مهاجري الدول الثلاث " الأردن، مصر، لبنان "، الذين يقفون حاجز صدّ قوي في وجه التوصل إلى اتفاق لدخول تركيا بشكل سلس، حسبما تسعى لذلك الأطراف المحلية في الهيئة.
إنّ إثارة الغبار حول الفصائل التي سترافق القوات التركية إطالة لأمد الأزمة، و تشويش في غير موضعه، فالأمور باتت تتجه إلى مآلات في غير مصلحة السوريين، و لاسيما بعد أظهرت إعادة الهيكلة في الهيئة حقيقة الجهة الممسكة بالأرض في إدلب.
وسوم: العدد 741