لماذا أرادوا وأدَ فيلم النفق
مساء الثلاثاء: 10/ 10/ 2017، نجا محمد بايزيد، من محاولة اغتيال في مدينة إسطنبول، أسفرت عن إصابته في الصدر، و قد أثار الخبر كثيرًا من التساؤلات، ولاسيّما أنّه جاء عقب مقتل الإعلامية حلا بركات، مع أمها الكاتبة عروبة بركات، ليلة الخميس: 21/ 9/ 2017 في شقتهما بمنطقة إسكودار في إسطنبول الآسيوية.
الأمر الذي جعل أصابع الاتهام تتجه إلى جانٍ آلمه، و ضغط على أصبعه ما أخذت الأقلام السورية، تفضحه من خبايا لا يُراد لها أن تظهر على الملأ، من قصص تذخر بها ذاكرة السوريين.
و عودًا على بدء، فإنّ كثيرًا من المتابعين قد أثار حفيظتهم خبر اغتيال مخرج سينمائي سوري، يحمل الجنسية الأمريكية؛ و هو الأمر الذي جعل وسائل التواصل الاجتماعية، تبحث عن المبتدأ و المنتهى في أصل الموضوع، فكان الجواب بقلم المجني عليه:
في عام 2011 و في منزلي في دمشق، خطرت لي فكرة صناعة فيلم روائي طويل تجري أحداثه في أحد أكثر السجون رعبًا في العالم، هو سجن " تدمر" سيء الذكر، الذي قتل فيه آلاف السوريين خلال الثلاثين سنة الماضية، بعضهم قتلوا خلال إعدامات أسبوعية (شنقًا) وبعضهم الآخر قتل من شدّة التعذيب وسوء الظروف الصحيّة التي لا أستطيع حتى كتابتها هنا لكثرتها وفجاعتها.
لكتابة هذا الفيلم قابلت العديد من "خريجي" تدمر من السجناء السياسيين، و أغلبهم لا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد، فقد قادهم حظّهم العاثر بسبب تقرير قذر، ليجدوا أنفسهم في فرع تحقيق في إحدى المحافظات، ثم و بعد أسابيع أو أشهر من التعذيب (التحقيق) وجدوا أنفسهم في سيارة تقلّهم في وسط الصحراء إلى الجحيم، حيث سجن تدمر.
كانت أصابعي ترتجف وهي تكتب ما يرويه لي رجال في الخمسينات أو الستينات من تفاصيل التعذيب اليومية التي يشيب لها الولدان، بعضهم كان ينفجر بكاءً أمامي ويحلف لي بالأيمان المغلّظة أنه حتى زوجته وأولاده لم يسمعوا منه هذه التفاصيل.
قابلت شخصًا كان في أول دفعة أتت بعد المجزرة الشهيرة التي وقعت فيه، وصف لي كيف كان أشلاء الأدمغة ملتصقة في السقف والزوايا العالية من الجدران، حنى أنهم لم يقوموا حتى بطلاء الجدراتن، ليبقى ما عليها شاهدًا على ما حصل.
بعد انتهائي من ملخّص القصة الأول في دمشق لم أكن أنام، إلاّ و أرى سجن تدمر و جدرانه وساحاته وحمّاماته، بالرغم من أنني حينها لم أر أية صورة له من قبل، لكن دقّة وصدق الوصف الذي سمعته، جعلني أكتب وأنا أرى وأسمع وأشاهد، بل و أنا أشمّ رائحة الدماء.
في: 18/ 11/ 2011 تم اختطافي من أحد شوارع دمشق (منطقة الميدان) من مجموعة من الشبّيحة، وضعوني في سيّارة وأخذوني مكبل اليدين معصوب العينين إلى قبو أحد الأبنية وهناك شاهدت "النفق" رأي العين،كل ما كتبته من فنون في التعذيب رأيتها أمامي، بل وتمّ تجريب بعضها على جسدي. أصبحت -فجأة- جزءًا من المشهد، كان الشعور سرياليًا، و كأنني في كابوس.
لم يفهم العالم ( الغربي خصوصًا ) حتى الآن لماذا نزل السوريون إلى الشوارع، و أرواحهم على أكفّهم في مظاهرات صنّفها العديد من الصحفيين الأخطر في التاريخ الحديث، إن " النفق: The Tunnel " يروي ال Backstor أو تاريخ الحكاية التي نعيشها اليوم.
إنّه من الظلم الشديد أن يتم النظر إلى الثورة السورية على أنّها وليد اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات من الظلم، هي منظومة كاملة كانت تهدف إلى تعذيب السوريين، وتملّكهم و كأنهم "دواب" في المزرعة.
إنّ تدمر قصّة سورية-بين-4-جدران، إنه قصة نخبة سورية من مفكرين وأطباء ومحامين، مسلمين ومسيحيين وشيوعيين من شتّى الأعراق، من سورية وفلسطين ولبنان والأردن، جمعتهم جدران صفراء قذرة لا ترحم.
إن "النفق" سيكون فيلمًا سينمائيًا روائيًا أمريكيًا، تمامًا مثل الأفلام التي تشاهدونها في الصالات السينمائية ( ليس وثائقيًا )، لقد انتهينا للتو من كتابة آخر نسخة من السيناريو الخاص به، بالتعاون مع أحد الكتّاب الأمريكان، الذي عمل مستشارًا مع العديد من استديوهات هوليوود.
سيكون تصويره في الولايات المتحدة، ضمن استديوهات سيتم بناؤها في شيكاغو، تحاكي السجن الأصلي، هناك أسماء مهمّة من ممثلين وفنيين نتحدث معهم، وأبدوا اهتمامهم به، لقد قمنا بتسجيل السيناريو في نقابة الكتاب الأمريكية لحفظ حقوقه، لقد استغرقت عملية كتابة السيناريو وتطويره 6 سنوات، و أردنا أن يكون الفيلم أمريكيًا؟ حتى يصل للعالم بأسره، ولا يكون تجربة محليّة، فالأفلام المترجمة من النادر أن تصل إلى الولايات المتحدة، و إلى خارجها.
لقد انتهينا أنا وشريكتي في المشروع Samah، من تصوير " تريلر تسويقي " للفيلم في نيويورك، سنقوم بعرضه خلال أسفارنا القادمة للقاء رجال أعمال مهتمّين بتمويله.
نريد صناعة فيلم "النفق"؛ ليكون التاريخ البصري المكتوب لتلك الحقبة الدموية، نريد للعالم الأجمع أن يتعرّف على هذه الجرائم المروّعة بالصوت والصورة، في فيلم روائي مدته ساعتين يشاهدون فيه تدمر من دون تجميل، حيث التعذيب والدماء والشتائم والجلد والشنق.
نريد أن ننتصر من خلاله لكل هؤلاء المظلومين، نريد أن يكون سفيرًا لأرواحهم ولقصصهم و أوجاعهم.
وسوم: العدد 742