مصالحة فلسطينية في العاصفة
يساورني شك عميق في احتمالية نجاح المصالحة الفلسطينية الحالية ، ووصولها بالحالة الفلسطينية الصعبة والمعقدة إلى شط الأمان مثلما يرجو ، بل يتلهف أبناء الشعب الفلسطيني خاصة في غزة الذين اندفعوا إلى الشوارع فرحين فور إعلان الاتفاق في القاهرة بين فتح وحماس الخميس الماضي . وأسباب الشك في نجاح المصالحة كثيرة وقوية حتى لو نحينا العين عن التجارب الفاشلة للمصالحات السابقة قائلين إن ما فشل سابقا سيفشل لاحقا . ومن أسباب الشك : أولا : غيبة الثقة بين فتح وحماس ، وبلوغ هذه الغيبة حد الكراهية ، ولا نفع من المجاملات والابتسامات ، والكلام الذي يخفي الحقائق إيهاما بأن هناك ثقة ومحبة وصفاء نية بين الحركتين . فتح لا تقبل أي شريك لها في ولاية الشأن الفلسطيني ، وهي في هذه العقلية والمسلكية لا تختلف عن أي نظام عربي لا يقبل له شريكا في الحكم خارج دائرته الحزبية أو القبلية أو الطائفية . ثانيا : الأطراف العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام بالمصالحة الفلسطينية ؛ لا تريد مصالحة فلسطينية حقيقية تنفع الفلسطينيين وطنيا ، وتجعلهم كيانا موحدا يتطلع بثقة وقوة إلى التجسد في دولة ذات سيادة ولو في الضفة وغزة . هل تريد إسرائيل هذا للفلسطينيين وهي عدوهم الألد الذي يعدهم مناقضا وجوديا له ؟! وأميركا في هذا الموقف تتبع إسرائيل ، ولا ترى إلا ما تراه ، وعزي انضباط إسرائيل الملحوظ _ رغم تشويش نتنياهو ودعوته السلطة الفلسطينية لاختيار السلام على الإرهاب الذي هو في نظره التوافق مع حماس _ تجاه خطوات المصالحة الجديدة إلى جملة مبررات منها اقتناعها بأن الفلسطينيين سيفجرونها في وقت قادم بأنفسهم . وإذا ما حدث هذا ، وهو ما نتخوف منه ، فإن القطيعة بين فتح في الضفة وحماس في غزة قد تكون متطاولة إلى مدى بعيد مجهول . ومصر التي رعت المصالحة ؟! مصر الحالية ، ولنصدق مع النفس ومع الآخرين ، لا تعنيها إلا مصلحتها الذاتية المباشرة ، ويشغلها أن تسجل نجاحا إعلاميا قد يخدم تطلعها لترميم دورها في الإقليم الذي تآكل حتى اقترب واقعيا من الانقراض ، وهي لم تقدم على رعاية المصالحة الفلسطينية إلا بعد أخذها ضوءا أخضر من إسرائيل وأميركا لغاية في نفس الدولتين ، وهي غاية واحدة بحكم تبعية أميركا في سياستها في المنطقة لغايات إسرائيل . ثالثا : سلق اتفاق المصالحة سلقا سريعا ، ويبدو بهذه الخاصية جرحا لف بالضماد قبل تطهيره ما يؤهله لعدم الشفاء ، فلم يتفق إلا على الأمور السهلة نسبيا قياسا بغيرها ، وهي تسليم المعابر ومقار الوزارات لأجهزة السلطة ، والتوافق الأولي على دمج موظفي حكومة غزة مع موظفي الضفة ليكون الفرعان تابعين ماليا للسلطة . وأفادت صحيفة " الحياة " اللندنية أن المخابرات المصرية ضغطت بقوة على فتح وحماس ، وخاصة فتح ، للتعجيل بتوقيع الاتفاق ، وترك القضايا التفجيرية ، مثل سلاح المقاومة في غزة ، إلى مناقشة اللجان التي ستشكل لمتابعة بقية القضايا . رابعا : سيشرف على تنفيذ الاتفاق فريق من المخابرات المصرية من المتوقع أن يقيم في غزة بصفة دائمة ، وهذا يطلق طائفة من الأسئلة ، منها : ما حدود صلاحيات هذا الفريق ؟! ما مدى نزاهته ؟! ما علاقته بالمخابرات الإسرائيلية والأميركية ؟! ومعروفة قوة علاقة المخابرات المصرية بالمخابرات الإسرائيلية والأميركية . وماذا لو وقع بعض أعضاء هذا الفريق في خلاف مع عناصر أمنية من حماس أو السلطة وتدافع هذا الخلاف موضعيا وفوريا إلى ما لا يحمد ؟! وماذا لو قتلت جهة مسلحة ما فردا أو أكثر من أعضاء هذا الفريق مثلما يحدث في سيناء ؟!
خامسا : ما نوعية حركة الأشخاص من معبر رفح ؟! هل ستستبقي كثيرا أو قليلا مما كان يقع في المعبر من التأخير الطويل المرهق للأرواح والأبدان ، والتنغيص المحرق للأعصاب ، ورد بعض المسافرين لأتفه سبب أو بلا سبب ، أو القبض عليهم وإنكار وجودهم بعد ذلك لدى الأجهزة الأمنية المصرية ؟! وما نوعية حركة البضائع ؟! وهل ستخضع لاتفاقية نوفمبر / تشرين الثاني 2005 القاضية بخروج البضائع من غزة من المعبر ، وعدم دخولها إليها منه؟!
وأسئلة أخرى كثيرة حول مجمل المصالحة . وأحسب ما أوردناه من أسباب الشك في احتمالية نجاحها يوضح أنها مصالحة في العاصفة ، أي في مهب الفشل .
وسوم: العدد 742