دفاع عن الشعب المصري وكل شعوب الأمة
كان مستفزا لكل شرفاء الأمة ما صدر عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يدافع عن إجرامه بحق المصريين . فيتهم شعب مصر العظيم بما حلا للجاهل من الجهل والتخلف وانعدام الثقافة . باختصار شديد كان عبد الفتاح السيسي يقول للفرنسيين وللأوربيين عن المصريين : لا تسائلوني عن حقوق الإنسان فأنا أي عبد الفتاح السيسي ( أسوس شعبا من البهائم ) ، وحاشا الشعب المصري العظيم .
ذكرتني كلمة السيسي بكلام وصيفه بشار الأسد قبيل الثورة السورية بأيام لصحيفة ( وول استريت جورنال ) الأمريكية أنه يعاني من العقول المتحجرة ، وأن مشروع ( الإصلاح السياسي ) في سورية ، أو مشروع الديموقراطية ، مؤجل ويحتاج إلى عقود ( جيل جديد ). ينسى بشار الأسد أن أبناء الأربعين في سورية - يوم قال هذا الكلام - قد ولدوا في عهد والده المشؤوم ، وأن أبناء الخمسين قد ولدوا في عهد الحزب القائد برسالته الخالدة .!!
إن التوافق بين منطق السيسي ومنطق بشار الأسد ، ومنطق كل الطغاة والمستبدين يقوم على قاعدة واحدة ، هي أن العرب والمسلمين لم يرتقوا إلى مصاف الإنسانية التي تؤهلهم للتمتع ببركات منظومة ( حقوق الإنسان ) . وأن هذه الشعوب لا تساس إلا بالقتل والسلخ والتعذيب ، ولذلك فإن على العالم حكومات وشعوبا أن تقدم لهم الشكر على ما يفعلون ..
ربما يحق للسيسي في إطار دفاعه عن نفسه وعن نظامه أن يستشهد على المصريين أمام الأوربيين بعهد الرئيس الشرعي ( محمد مرسي ) فك الله أسره ، فيقول لهم : أرأيتم كيف سادت الفوضى ، وانفجر فجور الإعلام ضد الدولة ورئيسها عندما رفع الرئيس الطيب عاليا مظلة حقوق التعبير ، أرأيتم كيف فجر بحقه الإعلاميون ، وتجرأ على النظام العام الصغير قبل الكبير .
في الحقيقة من الصعب أن يصدق الإنسان أن بعض ضحايا هذا ( الحكم الجائر ) يطلقه بشار الأسد أو السيسي أو أضرابهم على الساحة العربية ، يتعلقون به ، ويدافعون عنه ، ويتعللون به ، وكأنهم بذلك يقرون على أنفسهم ، ويصدقون دعوى من يسلبهم كرامتهم وحقوقهم . لن نميل في هذا المقام إلى قلب الدعوى على أصحابها فنقول إن كان في الشعب السوري أو المصري أو أي شعب من شعوب العالم من متخلف (بهيمة ) لا يستحق وصف ( إنسان ) ولا يستحق العيش في ظل منظومة ( حقوق الإنسان ) فهم هؤلاء الشبيحة والبلطجية والمنحبكجية ، الذين يدينون بدين الطغاة ويسجدون في محرابهم . لن نقول للفئام من السوريين والمصريين وغيرهم ، إن كان في شعوبنا ( بهائم ) بحق فهم أنتم ، لأننا لو قلنا ذلك فكأننا نقر بمقولة الطغاة ونتبناها وندافع عنها ، بغض النظر عن الفريق المتهم بالبهامة والطشامة والتخلف ..
ولا نملك في هذه السياق إلا أن نذكر هؤلاء الذين ارتضوا أن يبيعوا عقولهم وقلوبهم وآدميتهم وإنسانيتهم بثمن بخس ؛ أن نذكرهم بكرامتهم التي ولدت معهم ، والتي سيظلون الأحق بها وأهلها ، وأنهم حين يرتضون التسفل فإنما على أنفسهم يجنون . وعن إنسانيتهم يتنازلون ، وفي درك أسفل سافلين يرتدون .
إن عبد الفتاح السيسي في حديثه مع الملأ من الفرنسيين ، ومن قبله بشار الأسد في حديثه مع " وول ستريت جورنال " لم يوجها الإهانة المباشرة إلى ضحاياهم من مصريين وسوريين ..؛ وإنما وجها الإهانة مباشرة إلى عقول وقلوب مخاطبيهم من فرنسيين وأمريكيين وأوربيين بشكل عام ، ومن عجب أن توجه الإهانة للإنسان في عقر داره ، أو في وجهه ، ثم يتلمظ بها وكأنها قطعة من الحلوى تهدى إليه !!
فحين يتحدث بشار الأسد مع الصحفي الأمريكي ، وحين يتحدث السيسي مع نخبة من المجتمع الفرنسي ، فيحول في طرفة عين منظومة حقوق الإنسان إلى منظومة حقوق الأذكياء والمثقفين والمخمليين ، ثم لا يجدان من يرد عليهما ويفهمهما أن سر جمال هذه الحقوق أنها مبسوطة لكل إنسان بغض النظر عن جنسه وعرقه ودينه وتعليمه وثقافته وغناه وفقره وغبائه وفهمه ؛ فإن علينا أن نتساءل عن حقيقة السر وراء هذا التواطؤ المهين .
كان المنتظر من نخبة المجتمع الفرنسي ، أن تضع أصبعها الوسطى في عين السيسي ، وكذا كان المنتظر من الصحفي الأمريكي المقعي بين يدي بشار الأسد .
فهل كان يعجبها ، أن ينال رجل مثل السيسي من شعب عظيم ، تصنفه الذكرة التراثية للفرنسيين وللبريطانيين وللأمريكيين في خانة الشعب العدو .
الشعب المصري العظيم ، في المنصورة الأبية أسر في أمس قريب ملك فرنسا لويس التاسع ، ووفر له حقوق الإنسان كاملة في دار ابن لقمان ..
هل تذكرون دار ابن لقمان ..؟! أظن أن الفرنسيين لم ينسوها ولم ينسوا القيد والطواشي صبيح .
وإنه من المعيب في حق كل إنسان في هذا العالم أن تتداخل الصراعات الشخصانية ( الفردية أو الجماعية ) في إطار الصراعات القيمية .
قد يكون كل ما قرره مكيافللي في إطار الصراعات السياسية من مناورات ومداورات مقبولا عند فئة من الناس ، ولكنه عندما يصل إلى التلاعب بمعايير القيم أي ما نسميه في هذا العصر معايير حقوق الإنسان يكون المتلاعب فيه الخاسر الأول لأنه يخسر إنسانيته وكرامته ..
في الالتزام بمعايير القيم المطلقة انتصر القرآن الكريم لمتهم يهودي بريء في مجتمع المسلمين الأول ليصدر التوجيه للرسول الكريم (( وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا )) . وفي نفس السياق انتصر ابن الخطاب لقبطي مستعمَر ضد قائد فاتح ، وأمير وحاكم فقال قولته المشهورة ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟! ) لم يقل عمر : متى استعبدتم المسلمين ؟ ولا متى استعبدتم العرب ؟ ولا متى استعبدتم المثقفين ؟ أو المتعلمين ؟ بل قال : متى استعبدتم الناس ، ليؤكد لنخبة الشعب الفرنسي التي احتفت بالسيسي في القرن الحادي والعشرين , أخفقت في تلقينه درس الحقوق الأولية : أن الحرية والكرامة للناس أجمعين .
وبالمعيار القيمي نفسه سقى صلاح الدين الأيوبي عدوه ريتشارد قلب الأسد ( الملك الانكليزي ) وزملاءه من الأمراء والفرسان الصليبيين ماء مثلجا بعد أن هدهم العطش بعد معركة حطين . ومنع السقيا ( أرناط ) الغادر الخائن اللعين . كان صلاح الدين يقول لأسراه من الملوك والقادة والأمراء : لا ضير أن نتحارب ولكن النذالة والسقوط أن نغدر .. وأصر على إعدام أرناط الذي غدر بقافلة للحجاج كل من فيها من المدنيين .
لم نسرد هذه الوقائع التاريخية ، وهي جديرة بسجل مستقل ، إلا لنرد على الخائنين الساقطين بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي ، فإن كان في أمتنا ، وفي شعوبنا ، من هو خسيس غادر ساقط غبي طشم متخلف عن اللحاق بركب الآدمية فهو أنتما بما قضيتما على نفسيكما، فرددتماهما أسفل سافلين ..
تحية إكبار وإجلال لشعب مصر العظيم ، تحية إكبار وإجلال لشعب سورية البطل ..
وليسقط كل الخونة والمنمسخين ..
وسوم: العدد 745