بمناسبة مرور 100عام على الحرب العالمية الأولى..

مأساة السفربرلك

علق السفربرلك في أذهان الفلسطينيين، هو قصة أعداد كبيرة من العرب الذين جنّدهم الأخذ عسكر التركي وزج بهم منذ 3 آب 1914 في أتون الحرب العالمية الأولى. كثير منهم لم يعد إلى وطنه، ولم يعرف أحد أين ماتوا، أو دفنوا، ومنهم من عاد بعد مرور سنوات ليجد زوجته قد زوّجوها من رجل آخر. وقد سمعت من والدي الحاج حسن رواية تقول إن شخصًا من قضاء جنين ذهب إلى العسكرية في سنة الطبلة، ولم يعد، وانقطعت أخباره، وظن أهل قريته أنه استشهد في الحرب، فعزموا على تزويج امرأته من شخص في القرية، وأقيمت الأفراح، فلما جاءوا بالعروس من بيت أهلها على فرس، وفيما الموكب يسير انطلق رجل وتعلق برقبة الفرس وهو يصيح بأعلى صوته: إنها زوجتي.! فبهت الناس فلما تفرسوا في وجهه عرفوه، وأعادوا له زوجته.

ومصطلح سفر برلك يتكون من كلمتين: الأولى (سفر) وتعني الرحيل عن الديار، والثانية (بر) تعني الأرض، أو اليابسة. أما (لك) فهي لاحقة تركية تدل على المكان، والمصطلح يعني الرحيل عن الديار أو السفر الطويل، وقد سميت بالعامية (الروحة بلا رجعة)، أي أن العودة من العسكرية شيء مستحيل، فقالوا: اللي رايح مفقود واللي راجع مولود أي كأنه ولد من جديد. عندما كان الأخذ عسكر يحضر إلى القرية كان الجنود يطوقون القرية لئلا يفر أحدهم من التجنيد وويل لل(فراري) إذا تم القبض عليه.!. ولم ينج إلا القليل النادر. أما المجندون فأرسلوا إلى جبهات القتال في أوروبا إلى أتون حرب ضروس لا ناقة لهم فيها ولا جمل.!.

وقد خلّد الأهالي في بلدنا شوقهم للقاء أبنائهم الفتيان بقولهم:

شبابٌ يلعبون الحاح راحوا

خذتهم دولة السلطان راحوا

ولك أحباب قلبي وين راحوا

على اسطنبول ومركبهم لفى

وأما أهالي قرية جبلة بلبنان فوصفوا لحظة الفراق بقولهم على لسان المجند:

جاني الموت يا أمي جاني*** وسيارة محملي بريحاني

قولو لبي يحضرلي اكفاني *** ولأمي تغنيلي سكابا

جاني قلتلو رسولي *** قبر صغير ما بيجي ع طولي

أجو الملكين حتى يحاسبوني*** بإذن الله بردلون جوابا

Top of FormBottom of Form

اغمض عينيه كي لا يجرح مشاعر زوجته

في العهد العثماني كان "الأخذ عسكر" يسوقون الرجال إلى الخدمة العسكرية ليحاربوا في الجبهات المختلفة. في أيام الحرب العالمية الأولى المسماة بالسفربرلك استدعوا رجلاً من قرية عرعره للخدمة فترك زوجته وأولاده وذهب معهم، وبقي أربع سنوات بعيدًا عن أهله وبلده، وبعد انتهاء الحرب وأثناء طريق العودة أُخبَرَ الرجل أن زوجته مرضت بالجدري في غيابهِ،

فتشوه وجهها كثيرًا جرّاء ذلك ..

تلقى الرجل الخبرَ بصمتٍ وحزنٍ عميقين ...

وفي اليوم التالي شاهده رفاقه مغمض العينين فرثوا لحاله وعلموا حينها أنه لم يعد يبصر

رافقوه إلى منزلهِ، وأكمل بعد ذلكَ حياته مع زوجته وأولاده بشكلٍ طبيعي .. وبعد ما يقارب

خمس عشرة سنة توفيت زوجته ... وحينها تفاجأ كلّ من حوله بأنه عادَ مبصرًا تمامًا ....

وأدركوا أنهُ أغمضَ عينيهِ طيلة تلكَ الفترة كي لا يجرح مشاعر زوجتِه عند رؤيته لها ....

وسوم: العدد 749