البيوت أسرار ...

لكُلِ حياةٍ كواليس خلفَ الجُدرانْ لا يراها إلا أصحابها ولا يحِقُ لأى أحدٍ أنْ يتلصصَ ليتشممَ مايدورُ خلفها، فمِن ابسطِ حقوقِ الإنسانِ على أخيهِ الإنسان انْ يتركَ لهُ شؤونهُ الخاصةِ ولا يحاولَ انْ يعرفَ ماليسَ لهُ، وقد حذّر الشرعُ من تتبُعِ عوراتِ الغيرِ وتحسسها ومنعَ المنعَ الباتَ مِن الخوضِ فى سيرةِ الناسِ وأعراضِهم وشبّه النمّام بالذى يأكلُ لحمَ أخيهِ ميتاً تبشيعاً وتشنيعاً لذلكَ الصنيعُ المنبوذ.

إنتشرتْ فى الآونةِ الأخيرةِ ظاهرة هتك أستار بعض الأفراد فى المجتمع وإفتقدنا طعم الخصوصية الذى كان يُغلف حياتنا الشخصية والخاصة، ويبدو أن فئة المشاهير هم الأكثر تضرراً من إنكشاف حوائط بيوتهم على جماهيرهم التى تتربص بهم من رواء الحُجُبْ وتسابقهم بنظراتها الفاحصة وتتحسس أخبارهم وتصنع منها فضائح بإضافة بعض البُهارات الساخنة عليها لتفوح رائحتها على الملأ فى غضون لحظات إذ لم يعدُ الأمر يقتصرعلى تهامس الناس فى المجتمعات عن أسرار وأخبار المشاهير بل تعداه الى وجود بعض المواقع وبعض الصفحات على الفيسبوك و للأسف بعض الصُحفِ الصفراء التى تخصصت فى تتبع الأخبار وكشف المستور بل وفبركة الإشاعات أحياناً، وساعد على ذلك إنتشار التكنولوجيا من إنترنت وإتصالات وغيرها لتشعب تلك العادة الرديئة فما أن يخرج مشهورا من منزله حتى تتبعه عدسات التصوير وفلاشات الكاميرات لتوثق حركاته وسكناته ونراها منشورةً بكثافة على الإنترنت فى تعدىٍ واضحٍ وسافرٍ على خصوصية وراحة المشاهير، فأصبحت تأتينا ايميلات غير ذات مغزى ولا أدرى ماذا نستفيد منها سوى كسب أطنان من الذنوب نحنُ فى غنى عنها كتلك الصور التى تُبعث عشوائياً على الإيميلات لمطرب مشهور وهو يتلقى حد السكر وصورة لغيره وهو يدخن سيجارة و مقطع فيديو لمطربه ترقص فى حفلة دكاكينية خاصة وخبر خطوبة إحداهن يتصدر الأحاديث وعقد قران الأخرى يثير حفيظة الكثيرين وووو.

ومع تمدد تلك الظاهرة لم يعد حتى عامة الناس فى مأمن منها ولعل معظمنا شاهد نوعية تلك الصور كتلك التى يظهر فيها شاب يضع مناكير لفتاة على قدميها! أو ذلك الذى يُعيد رباط الحذاء لها، او اآخر الذى يأكل بشراهة فاغراُ فاه! أو أولائك الفتيات الجميلات اللائي يضعن المكياج فى خلوة كُن يظننها أمناً عليهم! 

كلما رأيتُ هذه النوعية من الصور تسائلت ماجدوى أن تُنشر مثل تلك الصور؟ وماجدوى أن يتهكم الجميع عليها ويقهقون؟ ولم أجد تفسراً ولا دافعاً سوى الفراغة والشناعة وعدم الموضوع، دعو الخلق للخالق فكلنا عورات وللناس أعينُ ولو إشتغل كلُ منا بمشاكله لما وجد طاقةً لنبش قبور الأخرين لتتفوح منها رائحة أسرارهم.

وسوم: العدد 749