أكلّ نصير للإجرام ، لديه ما يَخدع به ضميرَه !؟
( الحديث ، هنا ، عن أعوان الحكم الاستبدادي ، وموظّفيه ، وأنصاره !)
*) الضمير، هو ذلك الميزان الإنساني الداخلي ، المكوّن من الحسّ الإنساني ، الفطري الأصيل .. والخبرة المكتسبة ، من التربية والثقافة ، والمعارف المتنوّعة !
*) لكل إنسان ، رقيب داخلي ، يشهد على سلوكه ، ويدفعه إلى الفعل ، أو يمنعه عنه .. ويحاسبه على ما يراه خطأ ، ويبارك له ما يراه صواباً .. بصرف النظر عن سلامة هذا الضمير، أو فساده ، وعن قوّته ، أو ضعفه !
*) مخادعة الضمير، هي أخبث عمل شيطاني ، على الإطلاق ! سواء أجاءت المخادعة، من قِبل شياطين الجنّ ، أم من قِبل شياطين الإنس ! وربّما كان بعض شياطين الإنس، أخبَث ، كثيراً ، من أكثر شياطين الجنّ !
*) المجرمون ، الذين يرتكبون الجرائم ، بحقّ البشر، وغيرهِم من المخلوقات .. يَعرفون ما يَفعلون ، ويقدِمون عليه .. لا قتناعهم بأنه يحقّق لهم مصلحة ما ، مادّية أو معنوية! وهم مستعدّون ـ بحسب الأصل ـ لدفع الثمن ، الذي يمكن أن يترتّب على إجرامهم!
*) المشكلة ، هي عند أنصار الإجرام .. بصرف النظر، عن أسبابهم في مناصرته ! وهم أنواع كثيرة ، من أهمّها :
1) الذين ربطوا أنفسهم بعجلة الإجرام ، فصاروا حزءاً منه ، وبات مصيرهم مرتبطاً بمصيره ! وهؤلاء يُحسبون في عِداد المجرمين ، أنفسِهم ، لا في عداد أنصارهم !
2) المستفيدون من المجرمين ، أنواعا مختلفة من الفوائد ، المادية أو المعنوية ـ بما في ذلك الوعود ، والأمانيّ ، والطموحات ، والآمال ، والأحلام : المرجوّة والمطلوبة والمتوقّعة ـ دون أن يَروا أنهم مرتبطون بهم ! فهم يدافعون عمّا يرونه صواباً لدى المجرمين ، لا عن الخطأ ، أو الإجرام ..! وهنا تدخل عمليّات مخادعة الضمائر، في تزييف الحقائق ، عبرَ إظهار الجرائم ، بمظهر الأعمال الصالحة ، النافعة للناس !
3) هؤلاء المستفيدون من المجرمين ، المدافعون عنهم ، وعن إجرامهم المقنّع ـ أو المحوّل من إجرام ، إلى أعمال خير وبرّ ، ونفع عامّ ، ومصلحة عامّة ، وكرم وشجاعة وحكمة ـ .. أنواع عدّة ، تتفاوت في أهمّيتها ، وفي خدمتها للمجرمين ، بين أعلى الدرجات وأدناها ، وبين أكثرها أثراً وخطراً ، وأقلّها في الخطر والضرر! ومن أبرزها :
أ ـ المشايخ والعلماء المحسوبون على الدين ، الذين يزيّنون للمستبدّ ما يَفعل من سوء واضح ! لمعرفتهم أن هذا السوء ، هو مرغوب من قِبل المستبدّ .. ويمارسون عمليّات تجميل ، لوجه السوء ، أو الشرّ ، أو الفساد ، أو الظلم .. الذي يرتكبه الحاكم ، ليظهِروه بمظهر لائق ، من ناحية الخلق والشرع ! ويسوّقونه للناس ، مغلفاً بأكياس من الورق الزاهي الملوّن ، وبنكهات منغشة ، من الفتاوى الشرعية المختلفة ، والمطرّزة بأدلّة محبوكة ، فنياً ، يَصعب على الجاهل والساذج ، معرفة مافيها ، من حديث نبويّ ، صحيح أو ضعيف ، أو موضوع .. ومعرفة ما في تفسير هذه الآية ، أو تلك ، من تلبيس ، أو ليّ لأعناق النصوص !
ومعلوم أن وجود هذا الصنف من العلماء ، في دولة يسكنها شعب مسلم ، في أكثريّته ، وتتحرّك أكثريّته وفقاً لتعايم الشرع .. معلوم أن وجود هؤلاء ، هو أخبث من وجود الشيطان ذاته ! لأن الشيطان يعجز عن توجيه الناس ، حسب الوجهة التي يريدها الحاكم الظالم المستبدّ ، وفقاً لأحكام الشرع الإسلامي الحنيف ! وحتّى لو وسوَس لفرد عاديّ ، لديه شيء من العلم البسيط بأحكام الشرع ، فسرعان ما يستعيذ هذا الفرد بالله ، من الشطان الرجيم ، فيهرب الشيطان ، أو يخنس ، إلى حين ! وبالتالي ، هو عاجز عن قيادة شعب مسلم في متاهات الضلال والهوى ، كما يفعل العالِم ! وهنا ، لا بدّ للشيطان ، من التعويل على هذا الصنف من العلماء ، كما عوّل عليهم شياطين الإنس من الطغاة المستبدّين ، ومن أركان حكمهم !
ب ـ الإعلاميّون ، والكتّاب ، والمثقّفون ، والأدباء : وهؤلاء هم الصنف الثاني ، من الأصناف التي يعتمد عليها المستبدّون ، في مخادعة الناس ، بتزييف الحقائق أمامهم ، وتشويه الحقّ ليصبح باطلاً ، وتزيين الباطل ، ليبدو وكأنه الحقّ ، الذي ليس وراءه إلاّ الضلال !
ودوافع هؤلاء ، في مخادعة ضمائرهم ، ثمّ مخادعة ضمائر الناس وعقولهم .. لاتختلف كثيراً عن دوافع علماء الدين ! وهي المصالح الفردية لكل منهم ، من مال ، أو منصب ، أو وعد ، أو طموح ، أو حلم !
ج ـ المتطوّعون ، أصحاب الأفكار المثاليّة : الذين يرون شعارات برّاقة ، يرفعها المستبدّون .. فتدغدغ أحلامهم الطوباوية الساذجة ، فيجعلون من أنفسهم شفعاء ، لهؤلاء الظلمة الفاسدين .. أمام الناس عامّة ، وأمام شعوبهم خاصّة ؛ يشفعون لهم ، بل يجعلون شعاراتهم البرّاقة تشفع لهم ، عن كل ما ينزلونه على رؤوس شعوبهم ، من مظالم وكوارث ! ولو سألتَ واحداً من هؤلاء المغفّلين ، فجأة : هل تحبّ أن تكون مواطناً تحت حكم هذا الذي تدافع عنه !؟ لتردّد قليلاً ، وبلع ريقه ، ثم قال ، بنوع من الفهلوة السطحية الساذجة : وما علاقة هذا الأمر، بالشعارات العظيمة ، التي يرفعها الحاكم الوطني المخلص !؟ وحين يفكّر هذا المغفّل ، قليلاً ، يعرف ، يقيناً ، أن الحاكم الذي يظلم شعبه، لا يمكن أن يحقّق أي شعار هامّ ، أو عظيم ، على المستوى الوطني ، أو القومي ! فالشعارات الكبيرة ، إنّما تحقّقها الشعوب ! والحكّام هم مجرّد قادة لهؤلاء الشعوب ، نحو تحقيق الشعارات والأهداف . فإذا كان الشعب مسحوقاً ، عجز عن تحقيق أيّ شعار، مهما كان صغيراً ! وهذا النوع الثالث ، المتطوّع ، من أصحاب المخادعة المجّانية ، لعقول الناس وضمائرهم .. هو أتعس الأنواع ! لأنه لا يحقّق لنفسه دنيا ، ولا يحفظ لنفسه عقلاً واعياً ، ولا ضميراً حياً يقظاً ، ولا يَعذر المظلومين ، إذا تذمّروا من الحكم الظالم الفاسد، وسعوا إلى تحرير أنفسهم من ويلاته !
وسوم: العدد 749