احتكار الفهم، والإخلاص، والأخلاق.. إلى أين يؤدّي!؟
احتكار السلع ، التي يحتاجها الناس ، من قمح وسكّر وزيت ، وغيرها .. أمر مذموم مجرّم !
أمّا احتكار الفهم ، وتجريد الناس منه ، أيْ : اتّهامهم بعدم الفهم ، فهو ليس مجرّماً ، من حيث المبدأ، لكنه يسقط صاحبه، في نظر الناس ، من حيث أراد التعالي عليهم !
واحتكارُ الإخلاص ، كذلك ؛ سواء أكان إخلاصاً للوطن أو للدين ، أم كان إخلاصاً للقبيلة ، أو للحزب ، أو للنادي ، أو للشركة التي يعمل فيها أناس كثيرون !
واحتكار الأخلاق ، يدخل في الدائرة ذاتها ، دائرة السقوط ! فكلما أسرفَ المرء ، في اتهام مَن حوله ، بضعف الأخلاق الحميدة ، أو انعدامها، من: وفاء وصدق وأمانة.. واحتكر هذه الصفات ، لنفسه ، وحده ، أو لنفسه وللدائرة الضيّقة ، المحيطة به .. كلما فعل ذلك ، أسقط نفسه ، قبل أن يُسقط الآخرين ! لسبب بسيط ، هو: أن الآخرين لن يُقرّوا له ، بهذا ، حتى لو كان يرى نفسه صِدّيقاً ، أو ملَكا من ملائكة السماء ! وهو سيعطيهم ، بالتالي ، الحقّ ، في أن يجرّدوه من الأخلاق ، التي يدّعيها لنفسه ، ويجرّد غيره منها ، أيْ : يحتكرها له ، ولمن يحبّ ، ممّن حوله !
وغنيّ عن التذكير، أن أضعف الناس فهماً ، هو أقدرهم على احتكار الفهم ، وأن أقلّهم إخلاصاً ، هو أسرعهم إلى احتكار الإخلاص ، وأن أسوأهم أخلاقاً ، هو أبرعهم في كيل التهم ، لغيره ، بضعف الأخلاق !
السفهاء ، في الأمم السابقة ، وصفوا أنبياءهم ، بصفات شتى ، منها : الكذب والسحر، وطلب السيادة ، وغير ذلك ! ومن أبرزهم ، فرعون ، الذي حذّر قومه ، من موسى ، مظهراً خوفه ، من : أن يبدّل دينهم ، أو أن يُظهر في الأرض الفساد !
وفي العصر الحديث ، نجد أناساً احتكروا الوطنية ، وجرّدوا الآخرين منها.. كما نجد غيرهم ، ادّعى الفهم الصحيح للإسلام ، وكفّر الآخرين ، الذين يخالفون فهمه ، واستباح دماءهم .. وهكذا !
ولا تشفع للمحتكِر، نيّته ، التي قد يزعم أنها صالحة ! بل ، مجرّد احتكار مالا يحقّ له احتكاره ، يُظهر فساد نيّته ، وفساد خلقه !
ولو أنه أقرّ ، للآخرين ، بشيء من الفهم ، أو الإخلاص ، أو الأخلاق الحسنة .. ثمّ ادّعى ، أن حظّه ، من هذه الأشياء ، أكبر، بكثير، من حظوظ غيره .. لكانت مصيبته ، في نفسه ، أخفّ ، منها ، في حال الاحتكار؛ لأن عامل النسبية ، يدخل ، هنا ، في الموازنة ، بين : أقلّ ، و أكثر.. فيخفّف عنه ، وطأة الجريمة ، التي ارتكبها بحقّ نفسه ! وإن كان هذا لايحميه ، من احتقار الناس له ، ونفورهم منه !
ونعوذ بالله ، من سوء المنقلب !
وسوم: العدد 749