وجهة نظر خاصة بخصوص الورقة الإطار الخاصة بخطبة الجمعة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى

بداية استسمح المؤسسة العلمية لتقديم  وجهة نظري  الخاصة والمتواضعة في الورقة الإطار الخاصة بخطبة الجمعة ، والتي يشهد الله عز وجل على صدق النية والقصد من ورائها . وأسجل بداية تساؤلا عن الغاية من طريقة توزيع هذه الورقة على الخطباء حيث طلب منهم الحج إلى مقر المجلس العلمي المحلي لتسلمها والتوقيع على ذلك ، فهل الأمر يتعلق بحرص على وصولها إليهم أم أن وراء ذلك هدفا غير معلن عنه  خصوصا وأن الورقة تتضمن في صفحتها الأخيرة العبارة التالية : " انضباط الخطباء خاصة والقيمين الدينيين ، والتزامهم الضروري بتوجيهات المؤسسة العلمية " فهل يدخل الحضور إلى مقر المجلس العلمي للحصول على الورقة الإطار ضمن هذا الضروري ؟ ولماذا لم تعامل هذه الورقة معاملة الخطب الموحدة والمذكرات الخاصة بالخطب التي تصل إلى الخطباء عبر وسطاء ؟

أما مضمون الورقة فلا نقاش في ما تضمنته من تعريف بقيمة خطبة الجمعة وبمواصفات من يقدمونها ، وبالنصائح التي قدمتها لهم ، ولكن الملاحظ أنها في إشارتها إلى واقع خطبة الجمعة وبالرغم من الشهادة بتحسن أداء كثير من الخطباء سردت عجزا كثيرا يعتري هذه الخطبة ، ونقائص نسبت للخطباء . ومعلوم أن لفظة تحسّن  يستعمل للتعبير عن الانتقال من السيء إلى الحسن ، فهل أجريت دراسة علمية رصدت السيء الذي كان من قبل والتحسن الواقع من بعد؟ وعبارة " تحسن أداء كثير من الخطباء " توحي بأن القليل منهم لم يتحسن أداؤهم وأن هذا القليل هو المعني تحديدا بما سردته الورقة الإطار من عجز يعتري خطبة الجمع ، ومن تقصير هذا القليل من الخطباء  في مهمتهم . ولماذا ركزت  هذه الورقة على اختلالات خطبة الجمعة وتقصير القليل من الخطباء دون ذكر توفيق الكثير منهم وإيجابيات الخطبة مع أن المقام مقام حديث عن واقع خطبة الجمعة ، والموضوعية تقتضي نقل هذا الواقع بما فيه سلبا وإيجابا . فهل كان القول بكثرة توفيق الخطباء مجرد مجاملة تمهيدا لانتقادهم بطريقة غير مستفزة ؟

والملاحظ أن الورقة تحرص على العناية بالمخاطبين ، وتتحدث عن مخاطبين افتراضيين لا عن مخاطبين واقعيين يساهمون في الكثير مما نسب لخطبة الجمعة من اختلالات كما سردتها الورقة . والواقع أن المخاطبين ليسوا سواء في تعاملهم مع خطبة الجمعة، ذلك أن الكثير منهم لا زال يعتبر خطبة الجمعة ليست جزءا من عبادة الصلاة يوم الجمعة حتى بلغ الأمر بالبعض تعمد عدم حضورها وحضور الصلاة فقط إما تكبرا عن سماع الوعظ والإرشاد أو استخفافا به أو مقاطعة له أو مجرد تكاسل . ولقد أثارت الورقة الإطار موضوع تقصير خطبة الجمعة وهو موضوع يثيره المخاطبون عندما يشتكون من إطالة الخطباء خطبهم علما بأنه لا يوجد معيار معين تعينه المؤسسة العلمية ذات السلطة التقديرية  للحكم على طول أو قصر الخطبة، ذلك أن المخاطبين في الغالب يتحدثون عن تطويل الخطيب خطبته مهما كان حجمها و حجم الوقت الذي تستغرقه لأن لهم انشغالات، ولأن خطبة الجمعة تتزامن مع وقت تنتاول وجبة الغذاء وانشغال الأسر بعودة أبنائها من المؤسسات التعليمية التي لا تتعطل يوم الجمعة تقديرا لشأن هذا اليوم العظيم كما تقدر الأمم الأخرى أيام عبادتها الأسبوعية ، وإعدادهم للعودة إليها مباشرة بعد تناول وجبة منتصف النهار ، فضلا عن انشغال الموظفين والعمال وغيرهم بالعودة  إلى أعمالهم ، فكل هذه الأمور تلعب دورا في تحديد وتقدير طول وقصر خطبة الجمعة حسب أحوال الناس وظروفهم . وإذا أضفنا إلى ذلك  قصور الهمم، ورقّة التدين كان تذمر المخاطبين من الوقت الذي تستغرقه الخطبة مهما قصر أمرا متوقعا ولا يستغرب . ولا يقف الأمر بالنسبة للمخاطبين عند حد انتقاد طول الخطب بل لا تسلم مضامينها من انتقاد  يكون في الغالب مجانيا خصوصا حين تعالج الانحرافات، فيعتقد هؤلاء المخاطبين أنها تستهدفهم، والواقع أنها تستهدف تلك الانحرافات إلا أن الناس تطبعوا على الرقائق، فصاروا لا يقبلون غيرها . ولا يستنكف بعض المخاطبين من الاتصال بالخطباء بعد صلاة الجمعة لانتقادهم ولومهم ومعاتبتهم لأنهم لم يعزفوا على الأوتار التي تطربهم ، ولم يميلوا مع أهوائهم . ومن المخاطبين من يتصل بالخطباء ليطلب منهم خطبا معينة كما يطلب المستمعون طربا وغناء في البرامج الإذاعية . وغالبا ما يتهم الخطباء بأنهم خطباء السلطة لأنهم لا يرضون أهواء المخاطبين الذين يريدون سماع الخطب التي تنتقد هذه السلطة . ولا شك أن الورقة الإطار انتبهت إلى هذا الأمر حين انتقدت تعمد بعض الخطباء قبل إلقاء خطبهم إذا كانت عامة الإشارة إلى الجهة الرسمية المسؤولة عنها ،الشيء الذي يضعف أثرها ، وهذه شهادة من الورقة بأن المخاطبين لا يتفاعلون مع خطب الجهة الرسمية . وتكاد حكاية جحا والحمار وابنه تنطبق على خطباء الجمعة لأنهم لا يمكنهم إرضاء الجمهور الافتراضي الذي تحدث عنه الورقة الإطار التي لم تصور واقعه التصوير الواقعي . ومن المشاكل التي يثيرها المخاطبون بخطب الجمعة أنهم فئات غير متجانسة ،الشيء الذي يفرض على الخطباء تطويع خطبهم لتعم الفائدة الجميع، وقد تنبهت الورقة الإطار إلى ذلك حين سمحت باستعمال العامية والأمازيغية عند الضرورة ،علما بأن ذلك لا يرضي المخاطبين المتعلمين تماما كما لا يرضى غير المتعلمين عن الخطباء الذين يستعملون اللغة الفصحى فقط .

وإذا كانت الورقة الإطار قد أمرت  الخطباء بتجنب الموضوعات الهامشية والتافهة ، فإنها أغفلت ما يزود به أحيانا الخطباء من خطب عامة موحدة كخطبة في موضوع أهمية ملح الطعام على سبيل الذكر لا الحصر، والذي كان غيره أولى منه بالمعالجة أو إصدار مذكرات تنص على معالجة مواضيع يوجد ما هو أهم منها ويقتضيه الظرف لمناسبة بينهما .

وأخيرا أقول لا بد من ندوات ولقاءات  وتكوينات بخصوص موضوع خطبة الجمعة، يخصص بعضها للإنصات لهموم وانشغالات الخطباء وما يعانونه أثناء أداء مهامهم ، وقبول اقتراحاتهم وآرائهم بصدر رحب كما تطالبهم الورقة الإطار بالانضباط والتزام توجيهات المؤسسة الرسمية .

وأرجو أن يتسع صدر هذه المؤسسة لوجهة نظري هذه المتواضعة، وأكرر أن النية والقصد بريئان وعلمهما عند من يعلم ما في الصدور. ولا يفوتني أن أثمن الورقة الإطار لما تضمنته من توجيهات قيمة لا مندوحة لخطيب عنها مهما كان باعه في مجال الخطابة . 

وسوم: العدد 751