لا يمكن إغفال دور الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني المحتل في انتشار التطرف وما ينتج عنه من آفات خطيرة
غالبا ما يتحدث إعلام الأنظمة العربية عموما عن محاربة التطرف وما ينتج عنه من آفات كالإجرام والإرهاب وغيرهما ، ويفيض في الحديث عن مظاهره ومصادره وأسبابه ومسبباته ، ويتم الإعلان بين الحين والآخر عن ضبط وتوقيف أنواع من المتطرفين أو القضاء عليهم ، ولكن لا يتناول هذا الإعلام أبدا دور تلك الأنظمة في انتشار التطرف وانتشار الآفات الناجمة عنه . ولنبدأ حكاية التطرف وأخواته من البداية كما يقال .إن استعمال مصطلحي التطرف والإرهاب إنما استعملهما أول الأمر الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين والأراضي العربية المحاورة لها ، وهو يطلقهما تحديدا على كل طرف يقاوم احتلاله . ولم تكن الأنظمة العربية على اختلاف توجهاتها السياسية تعتقد ما يعتقده الاحتلال الصهيوني في المقاومة العربية عموما والفلسطينية خصوصا من تطرف أو إرهاب، بل كانت هذه الأنظمة نفسها تحارب الاحتلال الصهيوني وتخوض حروبا معه ، وكانت يومئذ منسجمة مع تطلعات شعوبها ، ولم يكن بينها وبين شعوبها خلاف باستثناء أمور داخلية لا يمكن أن تحمل الشعوب على الشك في مصداقية أنظمتها . ولما انصرفت الأنظمة العربية عن محاربة المحتل الصهيوني ،وذلك بضغط وتهديد من القوى الغربية المساندة له خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية مالكة زمام الأمور في هذا العالم ، ووقّع النظام المصري ما سمي باتفاق السلام مع الكيان الصهيوني ، وهو اتفاق عطل دور مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وقع الانشقاق في صفوف الأنظمة العربية حسب رفضها أو قبولها موضوع السلام مع الصهاينة. وانتقلت يومئذ الشعوب العربية من عداء المحتل الصهيوني إلى عداء الأنظمة القابلة لتوقيع السلام معه . ومع مرور الزمن بدأت الأنظمة العربية تتهافت على ربط علاقات مع الكيان الصهيوني سرا أوعلانية ، وبدأت ثقة الشعوب فيها تفقد ، وازداد تعاطفها مع فكرة مقاومة المحتل الصهيوني ، وهو ما حاولت بعض الأنظمة استغلاله لكسب ود شعوب العالم العربي لفترة من الزمن قبل أن تنكشف هرولتها هي الأخرى للتطبيع مع الصهاينة ، و أيضا لتصفية حساباتها فيما بينها ،علما بأنها انتهى معظمها إلى إنهاء فكرة الحرب مع المحتل الصهيوني، وهو ما يعتبر مخالفا لإرادة الشعوب الحالمة باسترجاع فلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة والانتصار على المحتل الصهيوني . وازداد غضب الشعوب العربية على أنظمتها بسبب موقفها من الاحتلال والتي انتقلت من رفضه إلى القبول به بشكل أو بآخر ، وظل هذا الغضب يتزايد ، وبدأت تلك الأنظمة تتحدث عن ظهور التطرف والإرهاب في بلدانها . وبعدما كان التطرف والإرهاب بالدلالة الصهيونية يشمل كل أنواع وتوجهات المقاومة صار يطلق تحديدا على المقاومة ذات الطابع الإسلامي ، وانتقلت الدلالة الصهيونية للتطرف والإرهاب بالشكل الأخير الذي استقرت عليه عند الصهاينة إلى استعمال الأنظمة العربية لها خصوصا تلك المرتبطة بعلاقة مع المحتل أو الراغبة في الارتباط معه . ولقد كان لحلول فكرة الصلح مع المحتل الصهيوني عند الأنظمة العربية محل فكرة محاربته دور كبير في رهان الشعوب العربية على هويتها الإسلامية، وترتبت عن ذلك صحوة دينية بعد فشل مختلف الإيديولوجات في مسايرة رغبة هذه الشعوب في التخلص من الاحتلال الصهيوني . ومع نشوء هذه الصحوة الدينية ، وإقبال الأنظمة العربية على مشاريع السلام الموهوم مع الكيان الصهيوني ، وكلها مشاريع على حساب القضية الفلسطينية، ازداد غضب الشعوب من أنظمتها ، وتحول هذا الغضب إلى تطرف لدى بعض التيارات والأفراد ، وصارت هذه الأخير لا تميز بين العداء للمحتل ، وبين العداء للأنظمة العربية التي تطبع معه أو تسير في طريق التطبيع معه بشكل أو بآخر . وتنبه المحتل الصهيوني وحلفاؤه في الغرب إلى هذا الأمر فدسّوا عصابات إجرامية في بؤر التوتر الناجم عن حراك أو ثورات الربيع العربي لتمارس الإجرام باسم الإسلام ، ووجدوا في ذلك ذريعة لإلصاق تهمة الإرهاب بكل من يقاوم احتلالهم لأرض فلسطين والأراضي العربية. وهكذا بلغ الأمر حد وصف المقاومة الفلسطينية وتحديدا ذات التوجه الإسلامي بالإرهاب وإدراجها ضمن لائحة العصابات الإجرامية التي سرعان ما تبخرت وخفت الحديث عنها وقد أنهت دورها في المسرحية التي حبكت بخبث ومكر لنقل صفة الإرهاب منها إلى المقاومة الفلسطينية الإسلامية تحديدا ومن يساندها . وتلقفت بعض الأنظمة العربية وتحديدا المتورطة في موضوع ربط علاقة بالكيان الصهيوني فكرة تلفيق الإرهاب لمن يعارض توجهها نحو ربط هذه العلاقة المشبوهة عن طريق الأسلوب الصهيوني، وذلك من خلال تحريك عناصر مأجورة للقيام بجرائم في أراضيها على غرار جرائم العصابات الإجرامية المبثوثة في بؤر التوترات الطائفية لنقل التهمة منها إلى من يعارضها خصوصا حين يتعلق الأمر بالمعارضة ذات التوجه الإسلامي تحديدا . وهكذا تم التسويق الإعلامي لفكرة تقسيم الإسلام إلى معتدل تتبناه الأنظمة الراغبة في ربط علاقة مع الكيان الصهيوني تحت ضغط الكيان الغربي ، وإلى إسلام متطرف يوصف به كل من يعارض الاحتلال الصهيوني والتطبيع معه ،وتحديدا من يفعل ذلك انطلاقا من قناعة إسلامية . وصارت العصابات الإجرامية الموظفة لتكريس فكرة الإسلام المتطرف عبارة عن طعم لاصطياد كل من يحمل فكرا إسلاميا معاديا للصهيونية ورافضا لتطبيع الأنظمة العربية معها . وهكذا خطط الغرب والصهاينة ومعهم أنظمة عربية على صلة بهم للانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر لأن حزب الحرية والعدالة المصري الفائز في الانتخابات الديمقراطية ، وجناحه الدعوي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين يعتبر بالنسبة للصهاينة مصدر تهديد لهم ولعملية السلام مع النظام المصري الذي أطاحت به ثورة الشعب في يناير. ولم يجد الصهاينة صعوبة في ربط حركة المقاومة الإسلامية حماس بحزب الحرية والعدالة الذي أطاح به الانقلاب العسكري ،والذي صار يحاكم زعماءه وقد أودعهم السجون بتهمة التخابر مع هذه المقاومة ، ومع الجهات الداعمة لها .وانتقلت عدوى توجس الأنظمة من وصول الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى مراكز صنع القرار، فحدثت انقلابات انتخابية في بعض الأقطار العربية للتخلص من تلك الأحزاب بشكل أو بآخر . وبالرغم من انكشاف أمر رفض التوجه الإسلامي في الوطن العربي سواء لدى أنظمة أو أحزاب أو شعوب والتوجس منه، فلا زال إعلام الأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل أو الراغبة في ذلك يردد فكرة محاربة الإرهاب والتطرف ، وتعقد لذلك لقاءات ومؤتمرات تسوق فيها هذه الفكرة ، وتحذر من تنامي ما تسميه مشاعر الكراهية ، وتحديدا كراهية الكيان الصهيوني المحتل و كراهية من يؤيده، وتدعو إلى التعايش والمقصود به التعايش مع هذا الكيان ومؤيديه ، وتدعو إلى نبذ التطرف والعنف والمقصود به رفض الاحتلال ومقاومته .
ولقد جاء قرار الإدارة الأمريكية على لسان رئيسها الذي قضى للكيان الصهيوني بالسيطرة المطلقة على مدينة القدس، وجعلها عاصمة أبدية له ليسقط أقنعة الأنظمة العربية المتواطئة فيما صار يعرف بصفقة القرن، وهي عبارة عن خيانة مخزية للقضية الفلسطينية وللأمة العربية والإسلامية عموما . ولقد حاولت تلك الأنظمة مراجعة الإدارة الأمريكية في قرارها العدواني ، وكانت ذريعتها في ذلك تحذير تلك الإدارة من تداعيات ذلك القرار و التي تعني تحديدا عودة فكرة مقاومة المحتل الصهيوني التي من شأنها أن تسفه فكرة اتهام المقاومة الفلسطينية وتحديدا الإسلامية ومن يساندها بالإرهاب والتطرف خصوصا عندما تصير الشعوب العربية مساندة لها، الشيء الذي سيجعل تلك الأنظمة في وضعية شرود بالنسبة لشعوبها ، وهذا ما جعل بعض الأنظمة تسارع إلى التضامن مع الهبّات الشعبية للدفاع عن عروبة وإسلام القدس بل من الأنظمة من اعتبر ذلك مدعاة فخر واعتزاز لها، وقد كان ذلك قبيل الإعلان الأمريكي أمرا ممنوعا ومحرما وتهمة تعاقب عليها تلك الأنظمة .
وخلاصة القول أن للأنظمة العربية دورا ويدا فيما بات يعرف بالتطرف وما ينتج عنه من آفات خطيرة تفكك الوطن العربي ،وتحوله إلى ساحة صراع وقتال طائفي يخدم المحتل الصهيوني في نهاية المطاف . وليس أمام الأنظمة العربية وقد فعل القرار الأمريكي فعله في الوطن العربي سوى الصدق مع شعوبها والمصالحة معها ،والقطع مع فكرة التعايش مع الكيان الصهيوني المحتل والتطبيع معه لأنه قد تبين من خلال القرار الأمريكي أن هذا المحتل لا يمكن أن يسالم أو يعايش بل لا بد من القطيعة معه . ولا بد أن تنهي الأنظمة العربية الحديث عن محاربة التطرف وتوابعه من خلال الاعتراف بدورها المباشر في وجوده عن طريق الهرولة للتطبيع مع المحتل الصهيوني، الأمر الذي يخالف إرادة شعوبها التي خرجت لاستنكار القرار الأمريكي بشدة وغضب من المحيط إلى الخليج عربيا ، ومن جاكرتا إلى طنجة إسلاميا .
وسوم: العدد 751