المتَع المجّانية ، لأنظمة الاستبداد، ولبعض أصحاب الفكر المعارض لها !
*) لأنظمة الاستبداد ميدانان لممارسة استبدادها .. ميدان القول ، وميدان الفعل !
ـ ميدان القول : ساحته الأساسية هي وسائل إعلام الدولة ، التي يوظّفها الحكم المستبدّ لتلميع صورته ، ولخداع الناس ، والهيمنة على عقولهم وقلوبهم ..!
وهي متَع شتّى ، لأناس شتّى :
1) متع للملمَّعين ، الذين يعرفون أنفسهم جيّداً ، ويعرفون مافيها من فساد وشرّ وسوء .. ويرونها تُسوَّق بين الناس ، كما لوكانت نفوساً ملائكية ، وقلوباً نورانية ، وعقولاً أوتيتْ الحكمة وفصل الخطاب !
2 ) متع للملمِّعين ، الذين يتفنّنون في أساليب التلميع ، ويبدعون كل يوم جديداً في هذا الفنّ، ويحقّقون لأنفسهم متعة الإنجاز الإبداعي ، ومتعة قبض المال ، ومتعة الإحساس برضى الاوثان التي يلمّعونها ، عنهم .. والإعجاب بفنّهم الراقي !
3) متع هواة التصفيق ، الذين أدمنوه إلى درجة أنهم يحسّون بالكآبة الشديدة ، إذا نظروا حولهم فلم يجدوا شيئاً يصفّقون له ، مِن شعار برّاق ، أو كلمة مزركشة رنّانة ، أو وعد خلاّب بتحرير البلاد والعباد ، يصدر من هذا الوثن الناطق ، أو ذاك ! وهم يراقبون حركة التلميع الدائبة ، بشغف ولهفة ! حتى إذا رأوا ، أو سمعوا ، مايَحفزهم على التصفيق ، التهبت أكفّهم ، وتدفّقت سيول الهتافات ، من حناجرهم ، حتى تملأ الآفاق أصواتهم وأصداؤها ، وترتجّ لها جنبات القيعان والأودية ، في سائر الأوطان العزيزة !
ـ ميدان الفعل : ساحاته كثيرة ، ومِن أهمّها :
1ـ سَحق الناس بأجهزة الأمن !
2ـ سرقة الثروات الوطنية العامّة !
3ـ شراء ضمائر بعض الناس ، بوسائل الترغيب والترهيب ، ليكونوا موالين ، أو مخبرين ، أو مصفّقين !
4ـ عقد الصفقات مع الدول القوية ، صانعة القرار العالمي ، وتقديم التنازلات لها ، ورهن قرارات الدول التي يحكمها الاستبداد ، لها، لقاء بقاء المستبدّين في كراسي الحكم!
* لأصحاب الفكر المعارض ميدان واحد ، هو ميدان القول . وهو يعَدّ أيضاً ، فعلاً قائماً بذاته ، لأنه الفعل الوحيد الممكن لديهم ..! وساحاته متعدّدة ، منها :
ـ وسائل الإعلام التي يملكها هذا الفكر، أو له بها صلات إيجابية ، من صحف ومجلاّت وإذاعات ، وقنوات فضائية ..
ـ شبكة الإنترنت ..
ـ المجالس الخاصّة ، على اختلاف أشكالها وأحجامها ، ومستوياتها ، السرّية منها ، والعلنية !
وحقول حَصاد المتَع ، أو جنيها ، هنا ، كثيرة .. تتفاوت بتفاوت الجهات المعارضة ، من حيث الفكر والوعي والثقافة ، والمستوى الخلقي ، والإحساس بالجدّية ، في التعامل مع الشأن العامّ ، وإحساس كل شخص بأهميته وأهمية مايقول ، وتأثيرِه في الناس..!
ومن حقول المتع هذه ، بحسب حاصديها أو طالبيها ، ما يلي ، على سبيل المثال :
1) متعة الإحساس بالراحة ، في قول ماينبغي أن يقال ، في مواجهة المستبدّين الظلمة والمجرمين .. أداءً للواجب الوطني ، أو الإنساني ، أو الديني ، أو الخلقي .. وإبراءً للذمّة ، أمام الله والناس ! وهذا النوع من المتعة يكون ، عادةً ، طِلبةَ الجادّين من عناصر المعارضة ، الحريصين حقاً على البلاد والعباد ، الذين يشعرون بمسؤولية حقيقية تثقل كواهلهم ، إزاء ممارسات الاستبداد ، وعبثِ الفاسدين المستبدّين ، بمصائر الأوطان وأهلها ! (ولابدّ من التأكيد ، على أن هذا النوع من المتع ، لدى هؤلاء الناس ، لايدخل في باب المتع المجّانية ، إلاّ من حيث ضعف جدواه في زعزعة كيان المستبدّين ، المهيمنين على قوى الدولة كلها ، بما فيها .. وعلى رأسها القوى المسلّحة ، من عناصر الجيش ، والأمن الداخلي ، وأجهزة الاستخبارات المتنوّعة ، والميليشيات الخاصّة بحماية أمن النظام الحاكم ..!
أمّا من حيث الكلفة التي تدفعها عناصر المعارضة هذه ، فقد تكون كبيرة جداً ، يدفعها المرء من وقته وجهده وماله .. وصحّته وراحته / على شكل سجن ، أو نفي ، أو ملاحقة .. أوغير ذلك من صنوف البلاء !/ كما قد يدفع حياته أحياناً ! ولذا ، لاينسحب عليها مصطلح المجّانية ، لاسيما إذا نظِر إلى المآلات ، التي تؤول إليها جهود هؤلاء الناس في الدنيا والآخرة ، وما يلقونه من جزاء ماديّ أو معنويّ ، أو كليهما ، في الدنيا أو الآخرة ، أو فيهما معاً ! فحين تكون الكلمة هي السلاح الوحيد في مواجهة الظلم ، وتعرّض حياة صاحبها للخطر، ويقولها موقِناً بأن ثمنها كبير.. حينئذ تخرج الكلمة من إطارها المجّاني ، إلى إطار سامٍ عظيم ، هو إطار أعظم الجهاد ، كما ورد في الحديث النبوي الشريف : ( إنّ مِن أعظمِ الجهاد ، كلمة حقّ عند سلطان جائر! ) و ( سيّد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمَره ونهاه .. فقتلَه) !
2) متعة الإحساس بالأهميّة ، لدى بعض الشرائح المعارضة ! فكثير من الناس يشعرون بأهميّتهم ، حين يقولون كلاماً ، ينتقدون فيه ، الحكم المستبدّ ، دون أن يكلّفهم شيئاً .. فيظهَرون أمام الناس أبطالاً مناضلين ، أو سياسيين بارزين ( هذا عندما تكون معارضتهم للاستبداد حقيقية ، ولو كانت مجانية ، أو نادرة الكلفة !) .
3) متعة الإحساس بالأهميّة ، أيضاً ، لدى الشتّامين ، الذين لايجيدون من الكلام السياسي، سوى الشتم والتجريح ، والاتّهام العشوائي ! وهذه المتع قد توجد لدى بعض المعارضات السياسية الضعيفة الهامشية ، ولدى الألوف من الأفراد العاديين ، الذين يحبّون الثرثرة في السياسة ، دون أن يفقهوا شيئاً منها ، ودون أن يشعروا بأنها يمكن أن تكلّفهم شيئاً من جهد ، أو مال ، أومشقّة .. أو تعرّضَهم لخطر ما !
وأصحاب هذا النوع من المتع ، إنّما يجدون متعهَم في الشتم ، أياً كانت الجهة التي ينصبّ عليها ! فمرّة يصبّونه على الحكم الفاسد ، وأخرى على شرائح ، من المعارضة الجادّة ، التي لم تعطهم أهميّة معيّنة ، أو التي لاتعرف كيف تعارض ، في نظرهم ! فهمّ الواحد منهم ، هو أن يملأ سلّة من الشتائم والاتّهامات ، الملوّنة بألوان شتّى ، من المشاعر السلبية ، والعبارات المنمّقة ، أحياناً ! ثم يذهب إلى بيته لينام ، وقد أحسّ براحة عظيمة ؛ إذ تحدّث بالسياسة ، وهاجم الآخرين ، وظهر في المجلس ، أنه شخص مهمّ ! ولاشيء وراء ذلك !
وسوم: العدد 751