احذروا التطبيع مع إسرائيل بوهم توكيد فلسطينية القدس!
بعد دعوة مؤتمر القمة الإسلامي في إسطنبول دول العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة محتلة لدولة فلسطين ؛ قررت الحكومة اللبنانية تشكيل لجنة لدراسة إمكانية إقامة سفارة فيها ، وأعلنت الكويت أنها تدرس إقامة سفارة لها في رام الله . وقد تتابع إعلانات دول أخرى في هذا الاتجاه . القدس الشرقية وسائر الضفة الغربية خاضعتان للاحتلال الإسرائيلي ، ولا يدخل أحد إليهما إلا بإذن إسرائيلي ، وإقامة سفارة لدولة عربية أو إسلامية في القدس الشرقية ستخضع لإرادة إسرائيل : هل توافق عليها أو ترفضها ؟! وليس للسلطة الفلسطينية أي نفوذ أو تأثير في هذا الجانب بوصفها حسب اتفاق أوسلو سلطة حكم ذاتي محدود جدا يُخضع كل شيء سيادي في الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة الإسرائيلية ، ومن ذلك فتح سفارات للدول فيها . وهكذا ستحدد إسرائيل شروط موافقتها على فتح أي سفارة في القدس الشرقية أو رام الله ، وستكون أكثر تشددا في القدس التي حولها قرار ترامب الأخير من مدينة متنازع عليها حسب أوسلو إلى مدينة محسومة المصير تخص إسرائيل وحدها . وقد لا تطلب إسرائيل اعترافا علنيا بها من الدولة التي تريد فتح سفارة في القدس مثلما يدرس لبنان ، لكنها ستطلب أن يكون ذلك الاعتراف ضمنيا على أمل تحويله مع الزمن إلى واقعي وقانوني . وستفتح إقامة سفارات عربية وإسلامية في القدس ورام الله التطبيع مع إسرائيل بأوسع أبوابه ، وسيحدث ذلك أضعاف مما يحدث الآن من خلال وجود بعض الممثليات والسفارات لدول عربية وإسلامية في الضفة الغربية وغزة . ستسهل إسرائيل زيارة مواطني هذه السفارات إلى الضفة والقدس وإلى إسرائيل ذاتها ، وتساعد أجواء حماسة بعض الدول العربية لهذا التطبيع حاليا على ذلك التسهيل ، وسيصبح شعبيا يطول الجوانب السياحية والاقتصادية والمالية والثقافية والتعليمية ، وستكون إسرائيل الفائز الكبير من دعوة مؤتمر إسطنبول إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة محتلة للدولة الفلسطينية . إسرائيل لا تهتم بالشكليات الفارغة ، وتركز عوض هذا على الأساسيات المفيدة ، وبرهنت دائما براعةً فعالة في الإفادة من التحولات والأحداث التي قد تبدو ضارة لها في بدايتها أو في ظاهرها . ومثلا ، ما سمي الربيع العربي الذي أتم الآن عامه السابع في بعض دوله ؛ في البداية بدا ربيعا عربيا مهددا لإسرائيل ، وقُلِب فورا إلى قتل وخراب وتمزيق وحروب عربية ، فصار ربيعا إسرائيليا لم تخسر فيه إسرائيل قطرة دم . زرع الحالمون العرب فحصدت هي الغلة ، وأسهمت مع أميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والإمارات وقطر في دفعه إلى هذا المآل . ولا شك في أنها ومعها أميركا وتلك الدول ستدفع بدعوة المؤتمر الإسلامي الخاصة بالقدس إلى ذات المآل النافع لإسرائيل ، والضار للفلسطينيين والعرب والمسلمين . كيف نصد احتمالات هذا المآل البالغ السوء لو دفعنا إليه؟!
أولا : عدم إقامة أي سفارة عربية أو إسلامية في القدس الشرقية ما دامت محتلة .
ثانيا : التصدي لأي تطبيع عربي أو إسلامي مع إسرائيل ، ومقاطعة الدول التي تقدم عليه .
ثالثا : تعزيز صمود أهل القدس في مدينتهم التي استولت إسرائيل حتى الآن على 87 % من مساحتها ، وهودتها . إنهم يعيشون في جحيم مروع من الإجراءات والقوانين الإسرائيلية العنصرية التي تستهدف تهجيرهم مما تبقى لهم فيها ، ومع هول ما يواجهونه منذ 50 عاما كانوا دائما رأس الحربة النافذة في الدفاع عن القدس .
رابعا : أن تعيد السلطة النظر في التزامها باتفاق أوسلو خاصة ما يفرضه عليها من تنسيق أمني مع إسرائيل ، هو في حقيقته الخالصة حماية لاحتلالها واستيطانها.
خامسا : توحيد الموقف الفلسطيني وفق برنامج سياسي يناسب حقائق الواقع الفلسطيني الصعب ، ويتخلى عن الأكذوبة الكبيرة بأن استقلالا فلسطينيا تحقق في مؤتمر الجزائر في 1988 ، ويحتفل به كل عام في زفة بهتان باطل ، وتضليل للذات مبين .
سادسا : تحسين الأحوال المعيشية للشعب خاصة في غزة ، وإنهاء حصارها المهلك الذي تشارك فيه مصر بفاعلية أساسية بإغلاقها شبه الدائم لمعبر رفح . وعار كبير أن يقول أحد أعضاء فتح إنه يود لو يقطع عن غزة الهواء دون أن يحاسبه أحد ! المعركة مع إسرائيل طويلة ، ولا تنفع فيها الأوهام والحلول المؤقتة ، وستحسم للأطول نفسا والأمتن بنية اجتماعية ووطنية ، ومساعدة الشعب الفلسطيني على أن يكون نفسه فيها طويلا جزء كبير من حسمها لمصلحة العرب والمسلمين . لم يكف اليهود حتى قبل إقامة دولتهم في فلسطين عن القول : " العروس جميلة ، لكن مهرها غالٍ " ، ويقصدون ب "العروس " الأرض الفلسطينية ، و ب " مهرها " الوجود البشري الفلسطيني فيها ، وركزوا دائما على التخلص من هذا الوجود في حال الحرب وفي حال الهدوء ، وسموا بتر أي جزء من الأرض الفلسطينية لصالحهم تخليصا لهذا الجزء من ذلك الوجود الذي لولا كثافته في الضفة وغزة وأراضي ال1948 لما كان هناك شيء اسمه قضية فلسطين .
وسوم: العدد 751