فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

المُصطلحُ منْ أدواتِ المُجادلةِ الثقافيَّةِ والسياسيَّةِ..بَرعَ الغربيِّون بِفنونِ نحته وزخرفته..فَهم منْ حينٍ لآخر يُفاجِئون ساحاتِ التحاركِ المعرفيِّ بِمصطلحٍ مَا..فَتلتقطُه الأذهانُ وَتتفاعلُ مَعَهُ..فَمنْهم مَنْ يَتلقفُه بِالقبولِ والتسليمِ  بلا تردد وبلا جدال لأنًّ الغربيين عِندَه مَرجعيَّةٌ فكريِّةٌ لا يُجانبُها الصُوابُ..وَمِنْهم من يَتأملُه وَيُمحصُه فيَأخذُ منه وَيردُ..والعربُ والمُسلون لَيسوا استثناءً من هذه الحالةِ..وَلكن غَالبيَّة النُخبِ الفكريِّةِ منهم  -للأسف - تَميلُ إلى حَالةِ القبولِ والتسليِّمِ المطلق..فَما إنْ قالَ الغربُ بالديمقراطيِّةِ وَجَعلَها مِعّيارَه في الولاءِ والبراءِ بَينَه وَبين الآخرَ..حتى صَبأ كثيرٌ من أبناءِ العروبةِ والإسلامِ فاعتنَقُوها واخلَصوا ولاءهم لَها..فَلّمَا نَكثَ الغربُ بعهودِها وآلياتِها ومعاييرها..انقسمَ الصابؤون منهم وارتدوا على أعقابهم..فَمنْهم منْ ثَبتَ ومنْهُم مَنْ كَفرَ..وَمنْ قَبلُ قالَت أوروبا الشرقيِّةِ بالاشتراكيِّةِ فَسَارعَ كثيرٌ مِنْ ابناءِ العُروبَةِ والإسلامِ إلى اعتناق ديانتها واتخذُوهَا شرعةً ومنهاجاً..وَبالغَ بَعضُهم فَقالً )باشتراكيِّةُ الإسلامِ) فَلمَّا هَوى صَنمُها تَلاوموا وَاستغفروا غَفرَ اللُه لهم..وَطرحَ الغربُ من بعد مُصطلَحَ الأصوليِّةِ وَذَمّها وشنع عليها..فَانبرت لَها أقلامٌ عربيِّةٌ تَذمُها وَتُسفّههُا..فَلمَّا عَدَّلَ الغربُ فَهمَه للأصوليٍّةِ..وقالَ نَحنُ لَسنَا ضدَ الأصوليِّة نَحنُ ضدَ التَعصُّبِ لها..أُحرجَ منْ انساقَ وراءَ الغربِ بشأنِها..وَلكنّه لمْ يكنْ يَملك شَجاعةَ أئمَتِها في المُراجعةِ..وَطرحَ الغربُ مُصطلحَ التَطرّفِ وَبشع أمرَهُ..فصفّقَ لهم كَثيرون وَجَلدوا أنفسَهم وَأمتَهم بِسياطِ التطرّفِ..الذي لَمْ يُحددُ الغربُ لَهُ مَعنَاً..فَلمِّا تَبيِّنَ لهم أنَّ الغربَ يَقصدُ من التطرفِ غَيرَ مَا فَهِموا..أُسقِطَ بأيدِيهم فأرادوا التراجعَ فلمْ يَستطيعُوه..وَقالَ الغربُ بالعنفِ وَقبّحَه فَقبّحَه البعضُ بِمثلِ ما قَبّحَ وَزيادة..ولمَّا فَرّقَ الغربُ بينَ عُنفٍ وَآخرَ..لمْ يُدركوا مَقاصدَ التفريقِ..فَداخوا معَ أنفُسِهم ولا يَزالون في دَوختِهم يَتمرَّغون..وَطرحَ الغربُ مصطلحَ الإرهابِ..وأعلنَ عَلَيه ثَورتَه دُونَ أنْ يُحدد لَه تَعريفاً..لِيبقى الأمرُ مفتوحاً لِخياراتِهم ورغباتهم وأهوائهم..يُلصِقُونَه بمنْ يَشاءون ويَصرفُونَه عَمنْ يَشاءون..وفاجَأ الغربُ العالمَ فطرحَ مُصطلح (الفُوضى الخلّاقةِ) وَسمِعتُ للأسف من  يَقولُ:لَقد سبقَ الرسولُ محمد صلى الله عليه وسلم الغربَ بهذا الشأن فتحدثَ عنْ الفُوضى الخلاّقة قبلَ أنْ يَتحدثوا ..؟!!!وبعدُ..أما آنَ الأوانُ لأبناءِ أمَتِنا أنْ يَكفّوا عنْ هَذه العبثية والتبعيِّة الحمقاء المَقيتةِ..أما آن لهم أن يعودوا بأنفسِهِم إلى حالة التبصر والبصيرة..وإلى مواقعِ التأثر والتأثيرِ الحضاريِّ الموضوعي الراشد..ينشرون قيم الحكمة والعلمية والتعقل ويُؤيدونَها حَيثُما وجدت..وَيرفُضون قيم التيه والعبثية والتبعية والتسول الفكري أيَّاً كان مَصدَرها ..؟ أرجوا ذَلِكَ واللهُ المُستعان.

وسوم: العدد 753