دلل طفلك بالاحترام والتقدير

‏لقد أوجدنا الله فـي هذه الدنيا بالأخلاق الحميدة والصفات السديدة، فقد باهى بنا الله عز وجل فـي القرآن الكريم والأحاديث القدسية، والتي تحفظ كرامة الإنسان من أول ساعاته وإلى ختام أنفاسه بالدعاء والرحمة.

ومما لاشك فيه بأن الإنسان في وجوده ذو مكانة سامية وفق الرؤى الإسلامية وذو كرامة ذاتية بالآيات القرآنية الكريمة، ومن هذا المنطلق نجد أن الرسول الأكرم (ص) يأمرنا باحترام الكل سواءً أكانوا صغاراً أم كباراً.

ولكن دعونا نركز فـي مقالنا هذا على جانب احترام الأبناء، ومن ثم نتطرق إلى الجوانب الأخرى والتي تفـي بهذا الغرض بإذن الله..

من المعلوم لدنيا أن بعض الكبار يعتقدون بأن صغار السن لا يستحقون منا الاحترام بسبب صغر سنهم وعدم إدراكهم لهذا الجانب، فـي حين يرى الدين الإسلامي بأن الطفل يستحق الاحترام والتقدير منذ صغر سنه بل منذ تكوينه فـي أحشاء أمه والتجربة خير برهانٍ على ذلك في مخاطبته أثناء الحمل ومدى التجاوب.

إن الطفل بحاجةٍ كبيرةٍ جداً إلى أن يُحترم ويُقدر، ويُعد هذا الأمر من الأسباب الرئيسة للنمو، وعاملاً مهماً لبناء الشخصية.

إن الطفل بحاجة إلى التأكد بأنه محبوباً ومحل احترام الأهل واهتمامهم، وإنهم يقبلونه كما هو، وإذا أردت أن تعرف بأن الطفل يدرك الاحترام، خذ طفلاً صغيراً ولو كان فـي أشهره الأولى واعبس فـي وجهه أو انظر إليه بغضب وحدة فـي الصوت، حتماً ستجده لا يميل إليك وسيتوجس منك، بل يكثر صُراخه ونحيبه، ولكن افعل العكس تماماً، لاطفه بحبٍ وابتسامةٍ وحنوٍ، فستجده يميل إليك، بل يناغيك ويستبشر بك من بعيد، فإذا كان الطفل الصغير يعي ما حوله، فكيف إذاً بالكبير العاقل البالغ؟

لقد أُعجِبتُ كثيراً بأحد الأخوة حينما رأيته يتغزل بمزماره (المايكروفون) فـي أحد الأفراح الأحسائية، وهو يُجري بعض المقابلات مع من حضر للحفل فتارةً يجري مقابلة مع ذاك الصغير وتارةً أُخرى مع هذا الكبير، وتارةً مع الأصدقاء، وتارةً مع كوادر الصالة من طاقم تنظيمٍ ونظافةٍ واستقبال.

بصراحة شد انتباهي هذا العزيز بما يفعله، فآليت على نفسي ألاّ أخرج من العرس حتى أتشرف بلقائه والحديث معه، وبعد برهةٍ من الزمن سنحت لي الفرصة وجلسنا فـي زاوية من الصالة، فسلمت عليه ورد عليَّ التحية بأحسن منها وسألته: ما سر إعجاب الصغار والكبار بك فابتسامتك قد ألبستك هالة حب الآخرين؟

فأجابني مبتسماً: بالحب، والاحترام، والاهتمام.

وقال لي: أنظر إلى ذلك الشيخ الطاعن فـي السن باحترامي وحبي له جعلته يبتسم بأريحية مُطلقة، وجعلت قلبي يعانق قلبه.. علماً بأنه لم يهوى مقابلتي ولكن بالدعابة والبسمة جعلته لا يتركني إلا بالدعاء والبركة والصلاح.. فأردف قائلاً: أنا لا أعي ما فـي داخله، ولكني تيقنت أن الآباء والأمهات (الكبار) لا يريدون منا شيئاً سوى إعطاءهم الاحترام والاهتمام، لا بالقبلة التي نمن نحن عليهم بها كل أسبوع على رؤوسهم، حتى صيرناهم كتحفة قديمة وضعت فـي زاوية البيت قد مرَّ عليها الزمن، وألبسها حلةً من غبار الجفاء ونكران الجميل..

ثم همس هذا المبدع فـي أُذني: جرب مع والدك وأمك وكل من حولك بأن تذكره بأيام أمجاده وأن تستمع إليه بإنصات واحترام..

فسوف تجد قلبه متعلقاً بك ومداوماً على السؤال عنك، ناهيك عن الطفل إذا أعطيته احتراماً واهتماماً، فماذا ستجني منه ساعتها وفي المستقبل؟

ثم قال لي: نحن سنكبر ويختلط وجهنا بالشيب، ونصبح شيوخاً مثل هؤلاء فستجد هؤلاء الأطفال - بإذن الله تعالى- يعاملوننا مثل ما نعاملهم اليوم، تماماً مثل الأستاذ الذي يدرس فـي الصفوف الأولى، وبعد مرور الأيام يُصبح تلاميذه أصحاب شأنٍ عظيم بإذن الله، وحينما يرون معلمهم وقد هرم بادروه بالتحية والاحترام، وكالعادة يسألهم من أنتم؟

فـيقولون: نحن تلاميذك فـي المرحلة الابتدائية؛ فالمرحلة تكاملية بكما تزرع تحصد.

والسؤال هُنا ما هي أهمية الاحترام بالنسبة للطفل؟

يقول أحد أهل الاختصاص فـي هذا المجال: بأن احترام الطفل وتقديره يحمل أهمية كبرى ويعتبر عاملاً مهماً وبناءً.

كما يرى علماء النفس أنه بمنزلة الغذاء الروحي للطفل، وإن النقص فـي هذا الأمر يصبح سبباً فـي النقص الحاصل فـي النمو والإدراك.

ومن أجل الحصول على اهتمام واحترام المحيط يقوم بتصرفات وسلوكيات خاصة، ومن الممكن أحياناً أن يزلّ ويحزن..

وذلك لغرض صرف الأنظار إليه، ومن الممكن أن يلجأ إلى العصبية والضوضاء، أو يتملق عندما يتحدث.

يقول علماء النفس عن هذه الظاهرة: بأنها حالة لا شعورية ويقولون أيضاً: أن حب الذات أو مشاعر التعلق لدى الأفراد تدفعهم إلى التفكير والعمل على صرف الأنظار إليهم ومطالبتهم بالاحترام.

والبعض الآخر من العلماء يقول: بأنه ناشئ من الشعور بالعزة بالنفس لدى الطفل وهذا الأمر ذو طابع فطري.

عزيزي المربي: فـي حالة عدم نجاح الطفل فـي صرف الأنظار إليه والحصول على الاحترام له فإنه سيتخذ في بدايتها إلى حالة الكبت، وكتم المشاعر، وأحياناً البكاء لأتفه الأسباب، وأحياناً يعير لنفسه احتراماً فائقاً ويمنح نفسه بعداً فوقياً، ومن الممكن أحياناً أن يحتقر نفسه ويكرهها.

والآن دعونا نعرف ما هي أساليب احترام الطفل؟

وكيف لنا أن نحترم الأطفال ؟

وما هو الأسلوب الإيجابي فـي ذلك ؟

والواقع يكمن فـي أن مواقف الأفراد تتفاوت من شخصٍ لآخر إزاء الأطفال وتختلف بالنسبة إلى أعمارهم أيضاً..

وما ستلاحظونه أدناه عبارة عن أساليب مختلفة لهذا الاحترام.

التغذية:

تناول الطعام السليم والصحي هذا من الجانب الغذائي، وكذلك لا ننسى الجانب الروحي، وذلك بالإكثار من الدعاء وقراءة القرآن الكريم.. بأن يجعل هذا الطفل صالحاً فـي الدنيا وفـي خاتمة عمره المديد إن شاء الله، وكذلك صفاء الروح بكل معطياتها والفرح بقدوم مولود الأسرة الجديد.

التغذية من الثدي:

إذا ما أرادت الأم بأن تولي العناية والاهتمام والاحترام لطفلها، فليس أمامها طريق أفضل من إرضاعه منذ نعومة أظفاره من حليبها وتتقرب إليه بهذا الأسلوب. ولا تقتصر حاجة الطفل إلى حليب الأم فحسب، بل إنه بحاجة إلى أن تنظر إليه الأم أثناء الرضاعة أو تضمه وتضعه فـي حضنها الدافئ وتبتسم فـي وجهه، وحبذا لو كانت على طهارةٍ ووضوء، وسوف تلاحظون آثار ذلك لاحقاً منعكسة على سلوكه.

القبول والمحبة:

وذلك بالاعتزاز به بكل صدق من ناحية الأسرة المحيطة به..

وكذلك إظهار حبنا له وصفاء نوايانا تجاهه..

والطفل الذي يشعر بأنه محبوباً من أسرته يتولد عنده شعور بالاقتناع، وهذا الشعور مؤثر للغاية فـي نموه ونضجه فـي المستقبل.

تبجيله وتعظيمه:

وذلك بأن ننظر إليه كنظرتنا إلى الفرد الكبير، وأن نعطيه لقباً كالمحبوب أو الجميل أو الوفـي أو الحبيب...الخ، ولا مانع أن نُكنيه بأبي محمد أو أم محمد، وهذا من أسمى مظاهر الاحترام له.

وهذا مقترن بأسرار المعاملة معه كاللطف واللين والحنان والإصغاء إليه فـي سرد قصصه وحكاياته وتلبية طلباته أيضاً، وكذلك النزول إلى مستواه سواء كان فـي الفهم أو بأن تجلس كي تنظر إليه وينظر إليك في آنٍ، وما أجمل النظر إذا اختلاط  بنظرات الإعجاب لكل صنيعٍ يقوله أو يفعله..

وكذلك بأن تضع صورة كبيرة أنت معه وتعلقها فـي صالة البيت أو غرفة نومه فهذا يعطي بالنسبة للطفل الاعتزاز بنفسه والثقة.

مراعاة حريته واستقلاله:

وذلك بأن تجعل فـي زوايا غرفته عالماً خاصاً به كمرسم أو لعب..

لذا من الخطأ أن تتدخل فـي أعماله بالتأنيب والضرب، ولو أردنا أن نُصلح ما عمله من خطأ وعبث بأن نقول له:

ما رأيك يا حبيبي بتنظيم غرفتك دون ضربٍ أو توبيخٍ أو استصغار أو مقارنة؟

أداء السلام على الطفل:

فلقد كان من أخلاق الرسول الأعظم (ص) أن يسلم على الأطفال عندما يصادفهم فـي الطريق. وهذا عكس ما يراه بعض الآباء والأمهات من أن الطفل سيشعر بالرضا عن نفسه ويصبح مدللاً لو سلمنا عليه، وهذا غير صحيح تماماً.

مصافحة الطفل:

ومن مظاهر الاحترام أن نمد يدنا نحو الطفل ونصافحه بين الجمع بالأفراح والأتراح، لكي يراوده الظن بأنه ذو أهمية ومكانة فـيما بينهم.

بينما يقوم بعض الأفراد وللأسف بمصافحة الجميع، وعندما يصل إلى الطفل الصغير لا يصافحونه، ويصبح ذلك باعثاً على اعتقاد الطفل بأنه مستصغر فيما بين الكبار، وسيصبح لا سمح الله عدوانياً.

ملاعبة الطفل:

فقد أمر رسولنا الكريم (ص) بمسايرتهم وملاعبتهم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم لم يلعب مع أحفاده فحسب، بل كان يتودد إلى الأطفال فـي الأزقة والطرقات أيضاً ، والظريف فـي ذلك أن الأطفال كانوا يستحسنون ذلك منه ويلتفون حوله دائماً.

الصفح عن أخطائه:

وذلك لغرض المحافظة على استمرارية احترام الأطفال، ومن الضروري الصفح عنهم عندما يرتكبون خطأً معيناً، إذ لابد من الصفح عنهم والبعد عن التجريح والتنكيل والاستهزاء بالطفل، وبالخصوص أمام إخوانه والملأ.. فهذا يُخالف الاحترام ويعد ذلك ـ أي الطفل ـ كشفت أسراره وفضحته.

وأما عن فوائد الاحترام للطفل فهي كثيرة بالرغم من كونه صغير السن وأهمها هي:

أنه يشعر بالأمن، ويدرك أنه ذو قيمة واعتبار لدى والديه وهذا يكفـي بأن يصبح سبباً لاستقامته واندفاعه للأمام

فـي ظل الشعور بالاحترام والتقدير يتعلم الطفل وجوب احترام الناس وتقديره لهم، ويعد درساً مناسباً لتحقيق النمو الاجتماعي للطفل والانسجام الواعي مع المُحيط.

احترام الطفل هو أساس الشعور بالقيمة والاعتبار، ومثل هذا الإحساس سيكون السبب فـي عدم الميل إلى الدناءة فـي حياته سواءً الآن أو فـي المستقبل، ومن المعروف أن الكثير من الأفراد يميلون إلى الدناءة بسبب اعتقادهم بضعف شخصيتهم واضمحلالها.

احترام الطفل يفتح باب الثقة بينه وبين والديه وذلك بأن يكون صريحاً معهم ويشاورهم فـي اختياره لأصدقائه وأعماله الأخرى.

احترام الطفل سبب لبساطة وسهولة العيش وتوفر الثقة والنشاط والثبات فـيها، ويُساعد كذلك فـي انسجامه الفردي والاجتماعي، ويقضي على الخلافات، ويجعل الطفل شاكراً ومحترماً لوالديه فـي حياتهم وبعد وفاتهم.

أضرار عدم الاحترام:

فقد أظهرت الدراسات أيضاً أن عدم مراعاة احترام الطفل وعدم الاهتمام بهم يتسبب فـي إيجاد أضرار كثيرة لا تتيسر الفرصة المناسبة لذكرها من جميع الجوانب فـي هذا المقال المُختصر، وإنما غرضنا أن نُشير بإشارة إلى هذا الموضوع، ونستعرض لكم الموارد التالية:

السعي الغير مناسب للفتِ الأنظار إليهم.

عدم احترام الأهل بشكل شمولي.

إفشاء أسرار المنزل.

إحراج الوالدين أمام الناس.

العبث والفوضى.

الشذوذ والانحراف.

هبوط المستوى الدراسي.

المشاكل النفسية والاجتماعية.

عدم احترام الآخرين.

التخلي عن الإنسانية، والكثير من الأضرار.

أما عن كيفـية الاحترام:

وذلك بأن يكون بالشكل الذي نراه فـي حدود فهمه وإدراكه، وعلينا أن نتجنب إظهار احترام مُتصنع تجاهه لأن الطفل لو اكتشف ذلك فإن الألفة والمحبة والاحترام فـيما بينه وبينه أسرته ستتعرض إلى صُعوبات جمة؛ كما يجب أن يتناسب مع استيعابه الروحي مع الإشارة إلى أن الإفراط فـي الاحترام أحياناً يخلط الأمر بالنسبة للطفل ويجره إلى الغرور والأنانية.

إن الاحترام الزائد لا يرفع من شخصية الطفل شيئاً بل قد يخرجه عن جو الاعتدال والوسط، ويفقده الاتزان فـي أقواله وأفعاله، كما يتسبب هذا النمط من الاحترام إلى سقوط شخصيته كفردٍ مربٍ.. والطفل الذي يحظى بالمزيد من الاحترام قد ينقلب ذلك عليه، ويبتلى ببعض الحالات كاليأس والأنانية وحب الذات، مما يوصل الطفل إلى درجة أنه يريد أن يضحي بكل محيطه لأجل مصلحته!

وقد أظهرت الدراسات بأن الطفل الذي يحظى بدرجة عالية ومفرطة من الاحترام والتقدير يمل هذه الحالة تدريجياً، ويُعاني منها ويسعى للتخلص من هذه المحبة المفرطة والاهتمام الزائد بأي شكلٍ من الأشكال وأن يحيا حياةً أكثر انفتاحاً وحرية.

رجعنا في هذا المقال إلى المصادر التالية:

1. الطفل بين الوراثة والتربية

2. الأسرة ومتطلبات الأطفال

3. مقتطفات من حياة مربٍ واعد.

وسوم: العدد 753