أوهام حول الثورة السورية
لقد ميز الله تعالى.. الكائن البشري.. عن بقية الكائنات الأخرى.. بالعقل..
ولكن هذا الكائن البشري المفضل على غيره.. لا يستخدم – للأسف - كل وظائف العقل المعطاة له.. من قبل الخالق العظيم.. بل كثير من الناس.. لا يستخدمون العقل البتة.. أو أنهم يستخدمونه جزئيا!
كثير من الناس يخافون تشغيل العقل.. ويحسبون أن ذلك.. يؤدي إلى انفجار أدمغتهم.. أو يخافون أن يؤدي ذلك إلى صداع .. وآلام في الرأس.. أويخشون من الفشل.. والسقوط.. أو يخافون من انتقاد الناس.. وسخريتهم.. والإستهزاء بهم!
إن معظم الناس.. يؤثرون تعطيل القدرات العقلية لديهم.. على استخدامها.. ويفضلون الإستمرار في الحياة على ما اعتادوا عليه.. وتعلموه من آبائهم.. وأجددادهم مرددين:
( قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ ). الشعراء 74
بعض الناس.. قد يكون لديهم قدرة خارقة في الحفظ.. بحيث يمكن أن يحفظ ألف حديث نبوي.. أو ألف بيت من الشعر.. أو ألف رقم هاتف.. أو يزيد أو ينقص..
ويظن الآخرون.. أن هؤلاء لديهم قدرات عقلية فائقة..
والحقيقة أنهم ليسوا إلا أدوات تسجيل.. أو ما يشبه الببغاء.. يرددون ما حفظوه.. وما سجلوه في أدمغتهم.. دون أي استخدام للقدرات العقلية الأخرى..
فالحفظ شيء.. وتشغيل العقل شيء ثان..
بل الأعجب.. والأغرب من ذلك..
بعضهم يحفظ القرآن كاملا.. وعلى عدة روايات.. أو جميع الروايات.. ولكنهم لا يفقهون في القرآن شيئا.. وحياتهم بعيدة كل البعد عن القرآن!!!
كيف يمكن معرفة الشخص الذي يستخدم عقله من الذي لا يستخدمه؟
إن الذي يعطل عقله.. يتصف بأنه يأخذ الأحداث الحياتية.. والوقائع الميدانية.. وما يُنشر في وسائل الإعلام .. كما هي.. يصدقها.. وينقلها إلى أصحابه.. ومعارفه على أنها حقيقة.. لا تقبل الشك..
ويجترها في المجالس العامة.. والخاصة.. وقد يدافع عنها.. وعن رجالها.. دفاع المستميت.. وينظر إليهم على أنهم أبطال صناديد..
بينما الذي يستخدم عقله..
فإنه أولا:
وقبل كل شيء.. يفكر بالخبر.. أو بالحدث.. ويحاول أن يعرف كنهه.. وماهيته.. ومن أين أتى.. وكيف أتى .. ويتوقف عند هذه النقطة.. وقد يصدق الخبر.. أو يكذبه..
وهذا النوع من الناس.. يكونون قد استخدموا جزءاً من عقلهم..
وهؤلاء يأتون في المرتبة الثانية.. بعد الهمل من الناس.. الذين لا يشغلون عقولهم.. وهم النسبة الغالبة في المجتمع..
أما النسبة القليلة.. والنادرة في المجتمع.. فهي الفئة التي تستخدم طرق التحاليل العالية الدقة.. والفائقة الجودة.. معتمدة على المنهج الإلهي.. والسنن الربانية الثابتة.. والمستقرة منذ خُلق الكون وخُلق الإنسان.
ولتقريب الصورة إلى الأذهان..
نضرب مثالا حيا.. يعرفه كل الناس.. وهو نقطة الدم..
فالفئة الأولى من البشر.. وهي الغالبية من رعاع الناس.. وغوغائييهم.. ينظرون إلى نقطة الدم نظرة سطحية.. عابرة..
يُقال لهم أنها نقطة دم .. فيصدقون ما يُقال لهم.. بدون أي تحر.. أو بحث.. أو حتى نظرة فاحصة.. لما يُقال أنها نقطة دم..
إذ قد تكون نقطة صباغ أحمر.. وليس دم..
أما الفئة الثانية.. التي تستخدم عقلها في التفكير.. والتأمل..
فإنها تفحص الدم.. وتلمسه بيدها.. كي تتأكد أنه دم.. وليس دهان .. أو صباغ أحمر.. وتتفكر ما طبيعة هذا الدم.. وكيف أتى.. وما هي ماهيته.. هل هو سائل.. أو جامد.. وهل يتغير لونه.. وشكله؟!
وتقف عند الحد من التفكير ولا تتجاوزه..
أما الفئة الثالثة.. وهي القليلة.. والنادرة جدا.. فإنها تلجأ إلى استخدام طرق التحليل المخبري.. لتعرف مكونات الدم.. وعناصره.. ومؤشرات هذه العناصر.. ودلائلها..
وهنا تنقسم هذه الفئة إلى قسمين:
القسم الأول:
تستخدم الطرق المخبرية القديمة.. البدائية في تحليل الدم.. فتحصل على نتائج تقريبية.. أو خاطئة..
وهذا القسم يمثل العلمانيين.. واليساريين.. واليمينيين.. والجاهليين بشكل عام.. ممن يعتمدون في تحليل الأخبار.. والأحداث.. على المنهج البشري المحدود العلم.. والعقل.. والتفكير.. والقاصر في النظر.. والعاجز عن إدراك مدلولات الأحداث الكونية.. التي يفسرها تفسيرا ماديا بحتا.. ويعتقد أنها ظهرت بشكل اعتباطي.. عشوائي.. لا رابط بينها.. ولا خالق يسيرها.. وينظمها.. ويديرها..
فهؤلاء.. تحليلاتهم للأحداث.. والأخبار.. تحليلات فاسدة.. ضالة.. مضلة..
وإن كانوا يحملون أعلى الدرجات العلمية..
القسم الثاني:
هو الذي يستخدم الطرق المخبرية الأكثر حداثة.. والأعلى تقنية.. والأقوى جودة.. وكفاءة..
مما يمكنه من الحصول على نتائج صحيحة.. ودقيقة..
وهذا يمثل المؤمنين الصادقين.. المتفتحي العقول.. والمعتمدين في تحليلاتهم.. على السنن الكونية الثابتة.. والمنهج الرباني القويم.. الذي لا يأتيه الباطل.. من بين يديه.. ولا من خلفه.. ولا يُخطىء إطلاقا..
وهذه المقدمة عن العقل.. واستخداماته.. كانت ضرورية جدا.. للولوج إلى الموضوع الأساسي..
وهو:
ما هي الأوهام حول الثورة السورية.. التي يتيه فيها الناس.. ويتخبطون خبط عشواء؟!
ما يُشاع في الأخبار.. وتتناقله وسائل الإعلام.. عن وجود خلافات بين الدب الروسي.. وراعي البقر الأمريكي حول سورية.. تفرد روسيا بالهيمنة.. والسيطرة على سورية.. بشكل مستقل.. ومضاد.. ومعاكس لأمريكا.. ومتحد لها.. ومستخف بقوتها.. ومصارع.. ومنافس لها.. استخدام القيصر الروسي حق النقض.. في مجلس العهر الأمني.. لمرات عديدة.. ضد الثورة السورية.. بشكل مستقل.. عن موافقة الأم العاهرة أمريكا.. وجود خلافات بين ملالي إيران وروسيا.. وقيام كل طرف بتحجيم.. وتقزيم الطرف الآخر.. وإدعاء روسيا عن رغبتها.. بطرد المليشيات الشيعية من سورية.. وجود خلاف بين الكيان اليهودي والمليشيات الشيعية.. ورغبة الأول بطرد الثاني من سورية.. وجود خلاف بين الكيان اليهودي وحزبالة اللبناني.. وسعي الأول لتدمير الثاني.. وإخراجه من سورية .. وتهديدادته المستمرة.. لضرب ميليشيات الحزب إن بقيت في سورية... وجود خلاف بين إيران والقيصر الأمريكي.. وسعي الأخير لإلغاء الإتفاق النووي.. وتهديدات الأول بضرب الثاني إذا ألغاه... إدعاءات بعض الأنظمة العربية.. وخاصة آل سعود.. بأنها مؤيدة.. وداعمة للثورة السورية.. وتسعى لإنهاء الحكم النصيري.. وتدميره بالكامل.. إدعاء صبيان المعارضة السورية.. بأنهم يستطيعون تحقيق أهداف الثورة بالكامل.. والقضاء على الحكم النصيري بكل رموزه وهياكله.. عبر مفاوضات جنيف أو أستانة أو غيرها... إدعاء كل أنظمة العالم.. بما فيهم الوسطاء الدوليون.. الذين تعاقبوا على الوساطة.. من الدابي إلى آخرهم دي مفضوحة ( ميستورا ).. بأن الحل في سورية.. هو سياسي وعبر المفاوضات.. والقبول بالنظام النصيري.. مع بعض التعديلات الطفيفة.. هذه الأوهام العشرة المتداولة.. عبر الإعلام وبين الناس.. كلها كاذبة.. خاطئة.. ضالة.. مضلة.. يُراد من ورائها تخدير الناس.. وتضليلهم.. وتجهيلهم.. حتى واستحمارهم..
الحقيقة الصادمة.. والصحيحة هي:
أن كل الأطراف المذكورة في الأوهام.. تعمل مع بعضها.. بتنسيق عالي الجودة.. وبتخطيط عالي المستوى.. وبدهاء ومكر عالي القوة.. بحيث تكاد الجبال تزول من شدته ( وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ ) إبراهيم 46..
مع تخصيص لكل طرف.. دورا يلعبه على مسرح الأحداث.. ليخدع همل الناس وغوغائييهم.. فيظنون أنهم يتصارعون.. ويتقاتلون..
وثمة وثائق كثيرة.. واعترافات صريحة.. من الرجال المخططين.. تؤكد التنسيق الكامل.. والتعاون الكلي.. بين جميع الأطراف.. ومن الصعب ذكرها.. خشية الإطالة..
ولكن لمن يهمه الأمر.. يمكنه البحث.. وتشغيل عقله.. والحصول عليها..
وسوم: العدد 753