الجهل بالهوية يجعل صاحبه لا محالة ضحية

جرت العادة كلما حل عام ميلادي جديد إلا وقامت دنيا البعض ولم تقعد بخصوص موضوع الاحتفالات التي تقام بهذه المناسبة، وذلك على مواقع معروفة  بتحيزها المكشوف  للتيار العلماني وإن تظاهرت بالحياد ،الذي يطعن في حيادها المزعوم هو المساحة الشاسعة التي توفرها باستمرار للأقلام العلمانية مقارنة مع غيرها من الأقلام خصوصا التي تصدر في كتاباتها عن قناعة تحترم الهوية الإسلامية .  ويعبر أصحاب الأقلام ذات التوجه العلماني عن معارضة شديدة لكل ما يمت بصلة إلى الهوية الإسلامية إلى درجة مناصبة العداء لكل من ينطلق من الطرح الإسلامي للخوض في مختلف أمور الحياة . ويكفي أن نشير إلى نموذجين من هذه الأقلام : الأول قلم المدعو أحمد عصيد ، والثاني قلم  المدعو سعيد الكحل ،وهما قلمان لا يدخران جهدا في التعبير عن حقد أسود تجاه كل من أو ما يمت بصلة للإسلام بسبب التعصب الأعمى للإيديولوجيا العلمانية ، وهما يحلمان بسيادتها في بلاد أراد لها الله عز وجل أن تكون دار إسلام لا حظ فيها لغيره من المعتقدات والإيديولوجيات ، وهو دين احتضنه المغاربة منذ الفتح الإسلامي ، وسيحتضنونه إلى قيام الساعة ، كما أنه يجري في عروقهم مجرى الدم . والبليد من خلق الله من يحلم أو يراهن على استئصال هذا الدين من وجدان  هذا الشعب .

أما أحمد عصيد فقد نشر بتاريخ 27 دجنبر 2017 مقالا تحت عنوان : "  لماذا لا يحسن المسلمون الدعاية لرأس السنة الهجرية ؟" ،ومن يقرأ هذا العنوان  يتبادر إلى ذهنه أن  تعبير صاحبه  شبيه بتعبير من لا علاقة له  بالإسلام ، وكان بإمكانه أن يقول : " لماذا لا نحسن نحن المسلمين الدعاية لرأس السنة الهجرية ؟ " لو كان صادق النية في الالتزام بهوته الإسلامية ،إن كان حقيقة يقر بهذه الهوية . وأول ما افتتح به عصيد مقاله قوله : "  يضج دعاة التطرف الديني ويقوى شغبهم على المجتمع، وتعلو صيحاتهم  مع رأس كل سنة ميلادية ، وكلما ازداد صراخهم تزايد إقبال الناس على الاحتفال برأس السنة الملعونة " ويعرّض مباشرة بعد ذلك بمن سماهم الدعاة المتشددين ،وقد وصفهم بالجهل ، كما عرّض بالمرشدات  في المساجد ووصف وعظهن بالهذيان .وكل ذلك لأن الدعاة والمرشدات يعظون الناس لتجنب الاحتفال بحلول السنة الميلادية لالتباسها بهوية دينية مخالفة لهويتهم الدينية تشبها بهم ، وهو تشبه منهي عنه شرعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم ". وكثيرة هي الأحاديث النبوية التي نهى فيها الرسول عليه الصلاة والسلام  عن التشبه بأهل الكتاب يهود ونصارى في أحوالهم وهيئاتهم وعاداتهم لمخالطتها معتقداتهم المنحرفة بسبب ما أصاب التوراة والإنجيل من تحريف بشهادة القرآن الكريم . وكعادته وهو الذي ينصب  نفسه وصيا على المغاربة قرر عصيد أن إيديولوجيته العلمانية  تقتسم نصف المغرب مع الدين الإسلامي، وقد نعت المتمسكين به بالتقليديين، بينما نعت أتباع إيديولوجيته العلمانية بالحداثيين. والمغرب في نظره لم يستكمل بعد  مقومات الدولة الحديثة ما دام نصفه من التقليديين. ويخطّىء عصيد الدعاة الذين يلجون موضوع الاحتفال برأس السنة الميلادية من  باب تحريم التشبه بالكفار ، فيرى أن هذا التشبه حاصل في كل المجالات ، وأن الاحتفال برأس السنة الميلادية لم يعد أمرا خاصا بأتباع دين معين أو شعب بعينه . وإذا كان الاحتفال بهذه المناسبة لا علاقة له بدين النصارى ،وقد كفروا حين جعلوا المسيح ابنا لله، وجعلوه إلها معه تعالى الله  عما يصفون وما يشركون على حد زعم عصيد، فلماذا ينسب هذا الاحتفال للميلاد ، ولا توجد دلالة أخرى لكلمة ميلاد سوى ميلاد المسيح عليه السلام ؟  ولم ينس عصيد نعيقه الأمازيغي فتساءل قائلا : " لماذا يمر رأس السنة الهجرية دون أن ينتبه إليه الناس في مجتمعنا كما يهتمون بالاحتفال برأس السنة الميلادية أو الأمازيغية ؟ " وبطبيعة الحال هو يتحدث عن النصف العلماني  الحداثي من المجتمع حسب تقديره الذي لا دليل عليه في الواقع  ، ولا يبالي بالنصف التقليدي الذي يحتفل بالسنة الهجرية بطريقة تخالف احتفال نصفه العلماني المفضل  لديه . والمثير للسخرية في كلامه هو زعمه أن النصف الحداثي من المجتمع يحتفل بالسنة الأمازيغية كما يحتفل بالسنة الميلادية، علما أن المجتمع بشطريه كما قسّمه هو حسب هواه  لا يعرف ما محل الاحتفال بالسنة الأمازيغية من الإعراب كما يقال . ويصر عصيد على مقارنة ما سماه بالعيد الأمازيغي بالعيد المسيحي  في الأكل والرقص والموسيقى  . وإذا كان العيد المسيحي احتفال بمولد المسيح ، فلا ندري بميلاد من يحتفل العيد الأمازيغي من الأنبياء والمرسلين ، ولا نعرف منهم نبي يدعى المزيغ ؟ ويرى عصيد أن الاحتفال بالهجرة يكتفي فيه المسلمون بالتذكير بهجرة النبي وبالغزوات والحروب ، مع الدعوة إلى التعبد في المساجد كما كان  المسيحيون يحتفلون بالمسيح في الكنائس  في القرون الوسطى ، وكأن المسيحيين في القرن  الواحد العشرين لم يعودوا يحتفلون بالمسيح في الكنائس . فهل بلغ الأمر بعصيد ظن كل هذا الغباء بالقراء أم أنه يجهل أو يتجاهل ما يحدث في الكنائس بهذه المناسبة ووسائل الإعلام العالمية تنقل ذلك  نقلا حيا ومباشرا وهو نفس ما أنكر حدوثه في القرون الوسطى ؟ ويقترح عصيد  ما سماه "أنسة الدين الإسلامي  "  وذلك بتحريره من وصاية الإكليروس الوهابي والإخواني على حد قوله ، وابتكار طرق دنيوة وإنسانية للاحتفال  من غير التذكير بالهجرة والغزوات والحروب .

وأما صاحبنا سعيد الكحل فقد كتب اليوم 31 دجنبر 2017 مقالا على نفس الموقع تحت عنوان : " لنحتفل بالسنة الميلادية ولينعق الناعقون " ومعلوم أن صاحبنا من الناعقين المحسوبين على التيار العلماني و بامتياز كل سنة بهذه المناسبة ، وهو يحل لنفسه النعيق ، ويحرمه على الآخرين ، هذا إذا ما سلمنا  معه بأنهم ينعقون عوض القول بأنهم  ينصحون المسلمين بتجنب  تقليد غيرهم في الاحتفال بعيد أصحابه  لهم هويتهم الخاصة بهم والمختلفة عن هوية المسلمين ، ولا ينكر صبغة احتفالهم الدينية إلا جاهل أو مكابر. ومعروف عن  هذا الشخص كراهيته الشديدة لكل ما أو من له صلة بالإسلام ، وقد سمى الدعاة في مقاله  بدعاة الكراهية .ويقول : " دعونا أيها المتطرفون نفرح بطريقتنا  ونشيع ما يبهجنا وندخل الفرح والسرور على أبنائنا وأهلنا ، فما الدين حزن ، ولا الفرح كفر ، لا الاحتفال مروق ، ولا الابتهاج فسوق" ولسنا ندري من ذا الذي منعه أو سيمنعه من الاحتفال فليحتفل كما شاء وكما يحلو له  ؟ ولا ندري  من الدعاة  أفتى بكفر الفرح ، وفسوق الابتهاج ، وحزن الدين ؟ ولو كان تعصبه ضد الدين الإسلامي يعطيه فرصة ضئيلة  لاستعمال قدرا ضئيلا من الموضوعية ، وأنى ذلك لمتعصب مثله؟ لأقر بأن الدعاة إنما ينكرون على المحتفلين بالسنة الميلادية ما يعارض هويتهم الإسلامية من معاقرة للخمور ومن عربدة  وفساد ، ومن اعتداء على الأعراض ، ومن إخلال بالأمن  العام . ومعلوم أن تجييش أعداد كبيرة من قوات حفظ الأمن ليلة الاحتفال برأس السنة كل عام إنما يكون تحسبا لما يحصل فيها من فوضى عارمة  وعربدة طائشة بسبب لعب الخمور بالعقول ، علما بأن حكم تعاطيها واضح في شريعة الإسلام ، وهو أمر يعارض الهوية الإسلامية . وكل سنة وصبيحة اليوم الأول من شهر يناير تتناقل وسائل الإعلام  العالمية ما يحدث في المجتمعات من ضحايا وخسائر كبيرة  بسبب الاحتفال برأس السنة .

وأختم في الأخير بالقول الجهل بالهوية يجعل صاحبه لا محالة ضحية . وإذا كان عصيد وصاحبه لكحل لا يجهلان الهوية الإسلامية، فهما إذن يتجاهلانها ، والتجاهل أقبح من الجهل لأن هذا الأخير قد يلتمس لصاحبه عذر بينما لا عذر لمتجاهل لأنه مكابر .

وسوم: العدد 753