قراءةٌ في معارك الطُّرق في شرق إدلب
بتجاوزها خطَّ وقف إطلاق النار، الذي حددته تفاهمات أستانا، و سيطرتها على بلدة عطشان، في غرب سكة الحجاز من طرف أبو دالي. تكون قوات النظام و المليشيات، قد تجاوزت الخطوط المرسومة في منطقة خفض التصعيد الرابعة، كمناطق منزوعة السلاح.
فقد كان في المسكوت عنه من هؤلاء الرعاة، و لاسيّما الضامن التركي، أن يقوم النظام بردة فعل محدودة بعد تحرك هيئة تحرير الشام، و الفصائل المنضوية تحت عباءتها، على معبر " أبو دالي " و انتزاعها من يد عضو مجلس الشعب أحمد درويش.
و هو الأمر الذي نظرت إلى الأطراف جميعها على أنه تجاوز لاتفاقية الجنتلمان، التي كانت تنظم العلاقة مع النظام في تلك المنطقة، و خصوصًا في شقّها التجاريّ، فضلاً على أنّه إعاقة لجهود تركيا في نشر قواتها ضمن مخرجات أستانا؛ الأمرُ الذي حمل تركيا في حينها على ردة فعل باردة تجاه القصف الروسي للبنى التحتية في عموم مناطق جنوب و شرق إدلب، و حتى إنها قد حافظت على ذات البرود ثانية في ظلّ تصاعد الجملة ثانية.
لدرجة أنّ الفصائل الذاهبة إلى أستانا، قد مالت إلى الرواية التركية، فلم تظهر حماسًا في تلبية الدعوة للنفير العام، أو تشكيل غرفة عمليات مشتركة " إن لم تكن موحَّدة "، و بقيت مشاركتها محدودة، فـحركة أحرار الشام لم تنشر مزيد من عناصرها في المنطقة، و ظلت متمركزة في عطشان وسكيك، وكذلك فيلق الشام، و الزنكي لم يضعا حتى الآن ثقلهما المرجو.
تاركة " هيئة تحرير الشام " تحصد مرّ فعالها تجاه الفصائل، و في الذهاب إلى اتخاذ قرارات على صعيد الملف السوريّ لم يتمّ التشاور بشأنها مع الأطراف المحلية و الإقليمية، و لم تستجب لمطالبها قبل الشروع في تلك الاستجابة، و لم تظهر حتى حُسن النوايا في ذلك.
و هو ما ذهب إليه حتى العقيد مصطفى بكور، قائد العمليات في جيش العزة، أحد أبرز الفصائل المتحالفة مع الهيئة ( من المبكر القول إنّ مدينة إدلب هي هدف قوات الأسد ).
لقد ألقت الهيئة بالنصائح التي أسديت لها في عدد من الملفات، في سلّة التصعيد، سواءٌ أمام الحواضن الشعبية، بجملة قرارات تكرِّس سلطة الأمر الواقع للهيئة، لدرجة أنّها فعِّلت مكاتب " الحسبة "، كإحدى أذرع " الإمارة "، المتدثرة في عباءة " حكومة الإنقاذ "، أو أمام الأتراك، بالذهاب إلى قرارات أحاديّة، تصبّ في خانة مساعي النظام، لمدّ نفوذه إلى المنطقة منزوعة السلاح، بين سكة حديد الحجاز و الطريق البري " حلب ـ دمشق "، و يعرقل مساعيهم في نشر نقاط المراقبة، التي تعزّز نفوذهم هناك، ولاسيّما أنهم ينظرون بحسب تصريحات جاويش أوغلو قبل يومين، إلى ما يحصل في مناطق خفض التوتر كخروقات محدودة، و أنّ حالات القتل والقصف تراجعت إلى حد كبير في العام الماضي، مقارنةً مع عام 2016.
هذا إلى جانب أنّ الفصائل تنظر إلى الحواضن الشعبية في تلك المنطقة، على أنّها أقرب إلى النظام، و أنّها مرتكزٌ مهمٌّ للخلايا النائمة لتنظيم داعش، و هي لا تريد أن تقع في شراكها ثانية، كما حصل معها في المجزرة الشهيرة في: 18/02/2017 – على يد لواء الأقصى المقرب من تنظيم داعش، في أكبر عملية إعدام جماعي بحق مقاتلين من الجيش السوري الحر في ريف إدلب، في معسكر الخزانات، شرقي مدينة خان شيخون.
ناهيك عن أنّ هذه الحواضن نفسها قد تمّت تعبّأتها من الماكنة الإعلامية للهيئة، ممثلة بوكالة " إباء "، التي ضخّت كمًا هائلاً من التحريض على الدخول التركي إلى إدلب، و أظهرته على أنّه وأدٌ للثورة، و تقسيمٌ لسورية، و أنّ جنودها سيلقون حتفهم في كروم إدلب و جبالها و أطرافها الشرقية على وجه الخصوص.
و هناك قناعة سائدة لدى عموم الفصائل، أنّ الهيئة غير جادة في وقف زحف النظام في تلك المنطقة، و تتمنّى في أن تعلق في وحول منطقة غير ذات جدوى، و مصيرها محتوم، كمنطقة منزوعة السلاح، في إطار المرحلة الانتقالية؛ و عليه فهي لا تريد أن تقع في شرك مساعي استنزافها لوجستيًا، و إظهار أنّها ليست شريكًا يمكن الوثوق به في محادثات أستانا أو جنيف.
حيث اعتبر رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة السورية إلى مفاوضات أستانا، العقيد فاتح حسون، أن كل ما يقوم به النظام ومعه المليشيات الإيرانية بدعم جوي روسي، هو لنسف كل اتفاقيات العاصمة الكازاخية بلا شك، و هو أمر يخدم النظام أكثر من الفصائل.
و هناك من يذهب من المراقبين إلى أن تقدم قوات الأسد نحو الحدود الإدارية لإدلب، لا يمكن تلقيها سوى أنها رسالة روسية إلى تركيا بين يدي " سوتشي"، و أنّ بوتين بات يرى مساعي حلحلة الملف السوري، أمرًا يمسّ مستقبله السياسي، و أن لهجة التصعيد من تركيا، بإيحائها للفصائل و الائتلاف و المجلس الإسلامي بمقاطعته، و حتى أنّها ذهبت للتنسيق مع الأردن و فصائل الجبهة الجنوبية حول موقف مشترك منه.
و هو ما ظهر جليًا من خلال " كتيبة المدفعية والصواريخ " التابعة للقوات الروسية، التي نصبت قواعدها في ثلاثة مواقع شمالي وشمال شرقي حماة، وشاركت فعليًا في تقديم التغطية النارية للقوات المتقدّمة نحو عدد من قرى المنطقة.
و لذلك سارع الوزير مولود جاويش أوغلو إلى أن تركيا خلال العام الجديد ستولي اهتمامًا أكبر للحل السياسي في سورية، وستعمل على إعادة تفعيل محادثات أستانة و جنيف و سوتشي، بشكل تستطيع من خلاله التوصل إلى نتائج إيجابية.
وسوم: العدد 754