القدس إسلامية الهوية عاصمة فلسطين الأبدية 20-23

القدس إسلامية الهوية عاصمة فلسطين الأبدية (20)

في ذكرى انطلاقتها القدسُ تفتقدُ حركةَ فتح وثورتها

بسرعة البرق ذاع صيتها وسما نجمها وانتشر اسمها وعلا سهمها، وعرف القاصي والداني بانطلاقتها، وتعرف الفلسطينيون على قادتها، وعلقوا الآمال على مؤسسيها، وانتبه لدوي عمليتها الأولى العالمُ، التي كانت شارة بدء العمليات العسكرية وصافرة انطلاق المقاومة الشعبية، واستفاق العدو عليها فرآها قد باشرت عملياتها وانطلقت في مقاومتها، جريئةً قويةً، مقدامةً شجاعةً، عنيفةً سريعةً، فانتابه القلق من هذه الحركة الجديدة، التي التف حولها العرب والفلسطينيون معاً، وانتسبوا إليها باكراً، وعلقوا الآمال عليها غداً، وخشي كثيراً من مستقبلها، فهي تكبر ككرة الثلج، وتتعاظم كشعلة اللهب، ويزداد عدد المنتسبين إليها كسيل نهرٍ، وتتوالى عملياتها وتتنوع أهدافها وتتباين نتائجها، فأصيب بالهلع ولحق به الجزع، فقوات العاصفة تتقدم، ورجال الثورة يزحفون، وأبطال المقاومة يزدادون، ومن كل الدول والجنسيات إليها يفدون وإلى صفوفها ينتسبون.

إنها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الحركةُ العظيمةُ التي انطلقت قبل النكسة، والعملاقة التي شملت الشعب كله، وانضوى تحت جناحيها راضياً عنها ومؤمناً بها، فهي التي أشعلت شرارة المقاومة، وحملت شعلة الثورة، وقادت النضال الفلسطيني سنين طويلة، وتقدمت الصفوف، وقادت الجموع، وسار خلفها الشعب وفصائله، وقواه ونخبه، ومنحها الشعب ثقته، وبايعتها الأمة على التحرير، وتعاهد الجميع معها على النصر، فأعطاها الشعب خيرة أبنائه، وما بخل فيها بشبابه ورجاله، ومنحتها الأمة الكثير مما تملك، وأغدقت عليها بحبٍ وسخاء، وجادت بأموالها وكنوزها برضا وطيب نفس، وفتحت لها بلادها وأرضها، وبنت لها معسكرات التدريب ومواقع النضال، إذ رأت فيها الأمل والرجاء، واستبشرت فيها الغد والمستقبل، وتمنت على يديها وبفضل رجالها النصر والعودة والتحرير.

نحن الفلسطينيين اليوم ومعنا كل الشعوب العربية والإسلامية، في أمس الحاجة إلى فتح الأولى، فتح الانطلاقة والشرارة والبندقية والعاصفة، فتح التي تخيف وتردع، والتي تنظم وتجمع، والتي تقول وتصنع، والتي تحصد وتزرع، فتح التي تواجه ولا تخضع، وتقاتل ولا تجزع، وتقاوم ولا تفزع، نحن بحاجةٍ إلى قوات العاصفة وبياناتها العسكرية وعملياتها النوعية، ورجالها الأماجد وأبطالها الفرسان وقادتها النشامى الشجعان، الذين كان لحضورهم شأنٌ ولدورهم أثرٌ، والتي كانت أسماؤهم تخيف وألقابهم ترعب، ممن صنعوا مجد الشعب وكتبوا بدمائهم تاريخ الثورة، وصانوا بأرواحهم ثوابت الأمة وحقوق الشعب والوطن.

فلسطين اليوم، شعبها وأرضها وقدسها وأقصاها ومقدساتها وتاريخها ومصير أبنائها ومستقبل أجيالها، في حاجةٍ ماسةٍ إلى حركة فتحٍ الشريفة صاحبة الرصاصة الأولى، التي عرفها الشعب وذاق مرارة عملياتها العدو، وانتمى إليها بأملٍ عربٌ ومسلمون جنباً إلى جنبٍ مع إخوانهم الفلسطينيين.

فهذه الأيام التي تمر بها القضية الفلسطينية أيامٌ عصيبة، مظلمةٌ حالكةٌ، ليس أشد منها سوءاً في تاريخها، ولا أصعب مرحلةً على مدى سنوات محنتها، يتآمر فيها العدو وحلفاؤه والمغرر بهم من أمتنا، وعتدون عليها ويستفردون بها، ويتحالفون ضدها ويتكالبون عليها، يريدون تصفيتها ووضعِ نهايةٍ لها، لكنهم يريدونها نهاية بلا وطن، وخاتمة بلا أرض، ومستقبلاً بلا أي ضمانةٍ أو سيادةٍ أو هوية، وقد شعر الفلسطينيون بتخلي الكثير عنهم وانفضاضهم من حولهم، خوفاً من الإدارة الأمريكية أو تآمراً معها واتفاقاً وإياها، إلا أنهم لا يسلمون بالضعف، ولا يشكون من الوحدة، ولا يستجيبون للضغوط ومحاولات القهر والإكراه.

في هذه الظروف العصيبة يسأل الفلسطينيون عن فتحهم الوطنية القوية، الواعية المستنيرة، الصادقة المخلصة، الجبارة الأبية، ويفتقدون دورها في الملمات والأزمات، وعند المحن والابتلاءات، حيث اعتادت أن تتقدم ولا تتأخر، وتعطي ولا تبخل، وتمد يد الخلاص لشعبها والنجاة لقضيتها، ولعل هذا الأوان هو أوانها، وهذا الزمان هو زمانها، فلا يفوتنها هذا الدور، ولا تتأخرن عن هذا الواجب.

ففي ذكرى انطلاقتها المجيدة الثالثة والخمسين، يتطلع الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات إليها، ويعلق الآمال عليها، ويريد منها أن تعلن موت العملية السلمية، وتخليها عن خيار التسوية البغيض، وتمسكها بالحق الوطني الفلسطيني العتيد، ويتمنون عليها أن تعود إلى الثوابت الوطنية الفلسطينية، وإلى الإجماع الوطني الأصيل الذي كان قديماً، فتسحب اعترافها بالكيان الصهيوني، وترد عليه اتفاقية الذل والعار التي كبلتها وصادرت دورها وعطلت قدراتها، وتعلن له وللعالم كله تمسكها بالأرض كلها وبالحق الخالص لها.

ويتطلعون إليها لأن تتخلى عن الإدارة الأمريكية، وأن ترفض الخضوع لها والاستسلام لابتزازها، فنحن شعبٌ عزيزٌ وأبناءُ أمةٍ كريمةٍ شريفةٍ، لا نفرط بكرامتنا مقابل حفنة من الدولارات، ولا نبيع شرفنا بمساعداتٍ ومعونات، ولا نقبل المساس بمقدساتنا مقابل شرابٍ وطعامٍ مغموسٍ بالذل وممزوجٍ بالمهانة، فقد أسفرت الإدارة الأمريكية عن حقيقة موقفها، وجاهرت بسوء سياساتها، وأعلنت التبعية للكيان الصهيوني وتبني مشاريعه ودعم سياساته، التي تستهدف تدمير أحلامنا والقضاء على مشروعنا، ونسف قضيتنا وتمزيق هويتنا وتذويب وطنيتنا، والقبول بالحلول التي تخدم الكيان الصهيوني وتحقق أحلامه.

أيها الفتحاويون الغيارى، أيها النشامى الأبطال، يا أبناء هذا الوطن الحر العزيز، أيها البواسل المغاوير، يا ورثة أبي عمار وأبي جهاد وأبي يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر وأبي علي إياد وأبي علي حسن سلامة، يا هذا يومكم وهذا الميدان ميدانكم، وهذه السوح والجبهات لكم، فأروا الله وشعبكم أعمالكم وصدق نواياكم وطهر مسعاكم، وجدية تحرككم وبسالة تضحياتكم، وهبوا لتكونوا لأهلكم قادةً ورواداً، تأخذون بأيديهم إلى طريق النجاة وبر الأمان، واعلموا أن شعبكم يفرح اليوم لكم ويحتفل معكم بذكرى انطلاقتكم المجيدة، ويتمنى لكم التوفيق والسداد، والوحدة والتلاحم، والعودة إلى صدارة العمل الوطني الجامع، فكونوا للمقاومة قادةً وللانتفاضة سادةً، ولبوا صيحة القدس واستغاثة الأقصى، إذ بها نحقق الأماني ونستعيد المجد الضائع.

القدس إسلامية الهوية عاصمة فلسطين الأبدية (21)

ترامب يؤجج معركة القدس ويشعل نار الكراهية

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصرٌ على المضي قدماً في الحرب التي أعلنها، وعازمٌ على التمادي أكثر في مسلسل الجنون الذي أطلق حلقاته، وسمح لحليفه نتنياهو والكيان الصهيوني بإنتاج المزيد من المشاهد الجنونية المستفزة، التي فاقمت من حدة الأزمة، وضاعفت نتائجها وتداعياتها، وكأنه قد أصيب بحمى هستيرية أفقدته عقله، وأخرجته عن طوره، وصورت له العرب والفلسطينيين ومعهم المسلمين جميعاً وكأنهم دمى بين يديه، أو عرائس شمعٍ يحركها بأصابعه، ويتحكم فيها بإرادته وحسب مزاجه، وأوهمه خياله أنه لا إرادة عند الشعوب العربية والإسلامية، ولا كرامة عند الفلسطينيين، ولا عزة تحركهم ولا غيرة تغضبهم.

ولهذا أمعن ترامب أكثر في إساءاته، وأثخن أكثر في اعتداءاته، دون حسابٍ للعقل أو المنطق، أو اعتبارٍ للحق والتاريخ وسنن الكون والحياة، وظن أنه سينجو بأفكاره، وسينجح في مخططاته، وسيحقق ما عجز عن فعله الرؤساء السابقون، وسيكون هو الرئيس الأمريكي الأوحد الذي منح اليهود اعترافاً طالما حلموا به وتمنوه، وكأن التاريخ سيقف عند وعده، والشعوب ستركع عند قدمه، والفلسطينيون سيسلمون بعقله وسيقبلون بمخططه، وسيندمون إن عارضوه، وسيخسرون إن خالفوه، إذ ليس بعده منجاة، ولا قدرة لغيره أن يقوم بمثل ما قام به، ولا فرصة يُكتب لها النجاح كفرصته.

لم يكتف ترامب بقراره الأهوج بحق الفلسطينيين والعرب والمسلمين، بل مضى قدماً في اتخاذ سلسلة قراراتٍ أخرى من شأنها تعقيد المسألة، وتعميق الأزمة، وجر الأطراف كلها نحو حربٍ دينيةٍ حقيقيةٍ، ستكون هي الأسوأ والأكثر دمويةً في الشرق الأوسط، وسيكون لها مضاعفاتٌ وتأثيراتٌ كبيرة على المنطقة كلها، ولكنه يعتقد أنه يستطيع بهذه القرارات والإجراءات أن يلوي عنق الفلسطينيين، وأن يجبرهم على القبول بأفكاره.

وهو يعتقد أن الفلسطينيين سيبيعون قدسهم بدراهم معدودة، وسيفرطون بحقهم بمعوناتٍ ماديةٍ، وكوبونات إغاثةٍ إنسانيةٍ، وما علم أنه يؤجج نار الحرب، وينفخ في رمادها، وهي لا حربٌ لا شك في أنها قادمة، فبذور الكراهية التي يزرعها، ومساعي الإفساد التي مضى فيها، وسياسته الخرقاء التي يحاول فرضها، لا شك أنها ستثمر حروباً مدمرة وفوضى مخربة، ستطال الجميع ولن ينجوَ منها أحدٌ.

يريد الرئيس ترامب مقايضة السلطة الفلسطينية على المساعدات المالية التي تقدمها بلاده لتسيير عملها، وهي بمجموعها السنوي لا تمثل شيئاً ولا تغير واقعاً، ولا تنتشل الشعب الفلسطيني من أزماته ولا تحقق له شيئاً من رغباته، وهي لا تذكر بالمقارنة مع حجم المساعدات التي تقدم للكيان الإسرائيلي بدون شروطٍ، ولكنه يريد أن يستغلها لأنه يعرف واقع السلطة المالي المرير وحاجتها الماسة ونفقاتها المتزايدة وأزماتها المتفاقمة، ويريد أن يفرض عليها وعلى رئيسها القبول بما قرر، والعودة أذلاء إلى طاولة المفاوضات، والقبول بإدارته وسيطاً لعملية السلام، وراعياً لمسار التسوية، وكأنه لم يرتكب جرماً ولم يأتِ بفعلٍ مشينٍ، وإلا فإنه سيقطع هذه المساعدات، وسيتوقف عن تقديمها سنوياً حتى تأتي السلطة إليه صاغرةً ذليلة.

لا يكتف ترامب بمعاقبة السلطة الفلسطينية ورئيسها، بل يريد أن يعاقب الشعب الفلسطيني كله، وأن يحرمه من مساعدات الأونروا البسيطة التي لا تكاد تقيل عائلة صغيرة فضلاً عن شعبٍ أغلبه لاجئٌ ومشردٌ، فأعلن كعادته على شبكة تويتر أنه ينوي التوقف عن دفع التزامات بلاده السنوية لوكالة الأونروا، ولسان حاله يقول للشعب الفلسطيني إما القبول بقراره والتوقف عن الاعتراض والتظاهر وإلا الجوع والحرمان، ولعل هذا الأسلوب الوضيع وهذه السياسة الوقحة لا يلجأ إليها عاقل، ولا يجربها تاجرٌ، ولكنه للأسف بلغ من السفه والجنون حداً يجعله يظن أن الفلسطينيين يبيعون كرامتهم بدولاراته، ويفرطون بحقوقهم أملاً في مساعدات بلاده، التي يراها الفلسطينيون نجسة وغير نظيفة، ومشروطه ومهينة.

يصر ترامب على دولٍ أخرى أن تنحو نحوه، وأن تقلده في سياسته، وأن تؤيده في قراراته، وإلا فإنه سيعيد النظر في علاقة إدارته بها، ويقصد بذلك علاقتها المالية، وحجم المساعدات التي تتلقاها حكوماتها من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو لا يدخر وسعاً في تأليب هذه الحكومات وتحريضها، وفي الدفع بها والتأثير عليها، إذ يريد منها أن تكون جزءاً من المعركة، وإلى جانبه في جبهة العدوان الجديدة، وإلا فإن مصيرها الحرمان أيضاً إن لم يكن الجوع مآلها، ولا يدري أنه بهذا العمل إنما يزرع الفتنة، ويؤسس للكراهية، ويحرض على العنف.

الحكومات العربية تراقب ما يجري في المنطقة، وترصد تصريحات ترامب وتعلم خطواته وتعرف إجراءاته، وتدرك أنه يحاول استخدام المساعدات المالية في تركيع الشعب الفلسطيني وتمرير قراره عليهم، وسلب القدس منهم وتجريدهم بعدها من أرضهم وحقوقهم في بلادهم كلها، فهل تكتفي هذه الدول والحكومات بالمتابعة والمشاهدة، وبالرصد والمتابعة، وتقبل أن تكون شاهدةً عاجزةً عما يحدث، وترضى أن يستغل ترامب قوة بلاده في الضغط على الفلسطينيين وابتزازهم، وهم يعلمون أن الفلسطينيين لن يستجيبوا لترامب ولن يخضعوا له، ولن يضعفوا أمامه ولن يصرخوا نتيجة حصاره، ولن يأتي اليوم الذي يفاوضونه فيه على شرفهم وكرامتهم.

أما ينبغي على هذه الدول والحكومات الغنية القادرة، التي حباها الله المال والقدرة، وأعطاها من الثروات والكنوز ما لم يعط أحداً غيرهم من العالمين، فجعلهم أغنياء أثرياء يحوزون على الترليونات، ويسبحون فوق بحيراتٍ من النفط والغاز لا تنتهي ولا تنضب، بل تزداد وتتجدد، أن يقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني العزيز، الذي يرفع رأسهم دوماً بكبريائه، ويحفظ كرامتهم بمقاومته، ويحقق لهم العزة بانتصاراته، ويحول بتضحياته دون تغول العدو عليهم وطمعه فيهم، وهو الذي لا يخفي أطماعه ولا ينكر طموحاته في بلادهم وخيراتهم، فهل يدركون أن كرامة الفلسطينيين لهم كرامة، وعزتهم لهم عزة وسؤددٌ ومكانةٌ.

القدس إسلامية الهوية عاصمة فلسطين الأبدية (22)

المجلس المركزي اجتماعٌ تاريخي وقرارٌ مصيري

يتطلع الفلسطينيون جميعاً إلى اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي سيعقد يوم الرابع عشر من الشهر الجاري، ويعلقون عليه الآمال الكبيرة، ويتوقعون منه الكثير، ويرجون أن تكون قراراته على مستوىً عالٍ من المسؤولية، وأن ترقى إلى درجة الخطورة القصوى التي تمر بها القضية الفلسطينية ويعيشها الشعب الفلسطيني، وأن تأتي قراراته قوية عاصفة، وحازمةً رادعةً، وحاسمةً قاطعةً، لتشكل رداً شافياً وصفعةً حقيقية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وللحكومة الإسرائيلية ورئيسها، ولكل الذين راهنوا على نجاح مشروع ترامب وتمرير مخططه، وللذين شاركوه في قراره سواء بالموافقة والقبول، أو بالصمت والسكوت، أو الذين كانوا محل استشارة وموضع سؤالٍ قبل صدور القرار، فشجعوه على القرار، وطمأنوه عن المعارضة، وهونوا أمامه ردات الفعل وثورات الغضب.

إنها فرصة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ولأعضاء المجلس المركزي التابع لها، أن يبرأوا إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الشعب الفلسطيني كله وإلى الأمتين العربية والإسلامية، من هذه الجريمة النكراء التي ترتكب بحق فلسطين الوطن والأرض والمقدسات، وأن يعلنوا أنهم ليسوا طرفاً فيها، وأنهم يرفضونها ولا يمكن لهم أن يقبلوا بها أو يوافقوا عليها، وأن يثبتوا لشعبهم وأمتهم أنهم أمناء على الوطن، وصادقين في الدفاع عن القدس وحماية الأقصى، وأنهم لا يفرطون ولا يبدلون، ولا يقصرون ولا يتخاذلون، وأنهم لا يبيعون ولا يساومون، ولا يغطون ولا يسهلون، وأنهم في ساعة العسرة رجال وعند المفاصلة أبطال، وأنهم يصلحون أن يكونوا قادةً ومسؤولين، ويستأهلون المكانة والمنصب، ويحفظون الأمانة والواجب، فهذا وقتهم والساعة موعدهم والكلمة الفصل لهم.

المسألة التي سيجتمع من أجلها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ليست مسألة هامشية ولا قضية عرضية، إنها القدس التي تضيع، والمسجد الأقصى التي يهود، والأرض الفلسطينية التي تقتطع وتصادر، والأسرى والمعتقلون الذين يتهددهم الإعدام وحبل المشنقة، والأونروا التي تقلص ميزانيتها ويحرم اللاجئون من خدماتها، والضغوط الأمريكية التي تفرض، والقيود والعقبات التي توضع، والتحديات السياسية الجديدة، والأنظمة العربية التي لا يعرف موقفها ولا تحدد سياستها، والتسريبات التي تظهر والأسرار التي تكشف، التي يبدو منها أنها جزءٌ من المؤامرة، وطرفٌ فاعلٌ في الأزمة، تشارك في المخططات وتشترك في التسويات، ولها دورٌ أساسٌ في هذه الصفقة.

ينبغي ألا يكون هذا الاجتماع عادياً كغيره من الاجتماعات السابقة، فالدورة ليس انتخابية، والمرحلة ليست عادية، والأوضاع في فلسطين ليست مستقرة، والعدو يتربص ويعتدي، ويغير يبدل ويزور ويزيف، لهذا كله ينبغي أن يكون هذا الاجتماعُ استثنائياً بكل معنى الكلمة، وأن يكون تاريخياً في هذا المفصل الحرج في مسار القضية الفلسطينية، وعليه ينبغي عدم تغييب أحد أو إغفال فريقٍ، أو استثناء فصيلٍ كرهاً أو نكايةً، أو خوفاً وخشيةً، أو إقصاءً سياسياً وإبعاداً ميدانياً، بل يجب على جميع القوى والأطراف أن تلتقي وتجتمع، وأن تناقش وتراجع، وأن تتخذ القرارات المناسبة وتنفذ الإجراءات المطلوبة، وأن تمضي في الاتجاه الوطني الصحيح، فالوقت ليس للمناكفة، والظرف لا يسمح بالمساجلة، والتاريخ لن يرحم العابثين، ولن يغفر لمن كان سبباً في بعثرة الجهود وتفريق القوى وإضعاف الصف وخسارة الوطن وخذلان الشعب.

كما أن قطاع غزة وشعبه المحاصر يترقب اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بفارغ الصبر، ويرى أنه تأخر في الانعقاد وقصر في الواجب، إذ كان سكانه يتمنون انعقاده منذ فترةٍ عندما تم إنهاء الانقسام وتحققت الوحدة الصورية، لأنه يريد لاتفاق المصالحة أن يكون جاداً وحقيقياً، ويطمح لقراراته أن تمضي، وللحصار أن يرفع، وللعقوبات المفروضة عليه أن تنتهي، ويتطلع لأن تقوم حكومة الوفاق بدورها المنوط بها وبالواجب الذي يمليه عليها موقعها ووظيفتها، فهي موجودة لخدمة الشعب والقيام بمهامه والتخفيف من أعبائه، لا أن تكون طرفاً في الحصار وأداةُ في العقاب.

فقطاع غزة السباق دوماً في كل مواجهة، والمتصدي لكل محنة، والسابق في كل انتفاضة، والمتصدر لكل ثورة، والملتحم مع شعبه والمحب لأهله، يتطلع لأن يكون له دورٌ كبير في انتفاضة القدس وثورة الشعب من أجل كل الوطن، ولهذا يريد أن تخفف عنه حكومته بعض الأعباء التي ينوء بها ظهره، وأن ترفع عنه غول الحصار الذي أتى على أبنائه ودمر مستقبلهم، وقتل مرضاهم وأتلف أعصاب الكثير من أهله، وقضى على أحلام الصغار وطموحات الكبار، وأفنى أعمار الشيوخ وعقد حياة الأطفال، وجعل الحياة فيه مرةً، والعيش داخل أسواره شكلاً من أشكال العذاب القاتل المميت.

لهذا يريد قطاع غزة من المجلس المركزي أن ينتبه إلى سكانه، وأن يأخذ بأيديهم ليشاركوا شعبهم، ويقفوا إلى جانب أهلهم، وأن يفعل قرارات المصالحة، ويترجم شعارات الوحدة والشعب الواحد وحكومة التوافق، وإلا فإن العدو ومعه قوىً أخرى معادية ستأخذ القطاع وسكانه إلى مكانٍ غريبٍ وموقعٍ آخر لا يشبه موقع الوطن، ولا يتفق معه في التاريخ والمستقبل.

ولتعلم كل الأطراف الفلسطينية أنها جزءٌ من هذا الشعب، ومكونٌ أساسٌ فيه، فلا تستطيع أن تدعي أنها الممثل الوحيد والمالك الحصري الذي ليس له شريك، ولا تملك الحق في الدعوة الاستنسابية والإقصاء المزاجي، بل كلنا شركاء، وجميعنا مسؤولون، وهذا الاجتماع يخصنا جميعاً ويعنينا كلنا، ولا بد أن نكون جميعاً عقلاء وحكماء، فلا يصح أن نترك الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ نضاله الوطني دون قيادة حكيمة، وقراراتٍ رشيدةٍ، وسندٍ فاعلٍ، وداعمٍ قادرٍ، فهذه الانتفاضة التي يخوض الفلسطينيون غمارها بحاجةٍ إلى قيادةٍ موحدةٍ، وتنسيقٍ ميداني، واستثمارٍ سياسي، ولن يكتب لها النصر ما لم نتحد، ولن يقف إلى جانبنا أحدٌ ما لم نتفق، ولن تكون لانتفاضتنا قيمة وأثر ما لم تكن يدنا واحدة وصفوفنا موحدة وصوتنا مشترك.

القدس إسلامية عاصمة فلسطين الأبدية (23)

رام الله لا تشبه القدس لمن لا يفهمون

مدينة رام الله العاصمة المؤقتة للسلطة الفلسطينية، ومقر مجلسها التشريعي ومؤسساتها الأمنية والإدارية، حاضرةٌ فلسطينيةٌ عريقةٌ، لها مكانتها ومركزها القديم والحديث بين أهلها الفلسطينيين، وهي وإن لم تكن عريقةً في قدمها، وموغلةً في عمق الزمان كغيرها، إذ مضى على بنائها قرابة ستة عقودٍ ونيفٍ فقط، إلا أنها استطاعت أن تحفر بين المدن الفلسطينية مكانتها، وأن تنقش دونهم اسمها وتثبت دورها وتحقق وجودها، وأن تصنع من نفسها مركزاً تجارياً رائداً، حقق لها الرفعة والألمعية والتجارة الخارجية، ونمَّا فيها رؤوس الأموال الكبيرة وطبقةً من رجال الأعمال المميزين.

وفيها انتشرت المدارس الدولية والبعثات الأجنبية وممثليات الكنائس المسيحية، واعتاد أن يزورها قناصل الدول الأجنبية وسفراؤها، وإليها كان يرتاد الأجانب والطلاب ومندوبو الشركات العالمية، وفيها العديد من الفنادق العالمية الفخمة العربية والأجنبية، لتتمكن من استيعاب الضيوف والوافدين، وتنجح في عقد المؤتمرات والندوات، وإدارة الأنشطة والفعاليات، وفيها جامعة بيرزيت الشهيرة، التي تضاهي كبريات الجامعات العالمية، ومنها تخرج أغلب القيادات الفلسطينية.

مدينة رام الله التي غلب عليها ردحاً طويلاً من الزمن مواطنون فلسطينيون مسيحيون، أعطوها رونقاً خاصاً، وصبغوها بصبغةٍ جميلةٍ مميزةٍ، وساهموا في رسم صورتها القشيبة وتزيين مظهرها الخلاب، وتلوين سكانها المنسجمين فيما بينهم، والمتعاونين في عيشهم، هاجر عددٌ غير قليلٍ منهم إلى دول القارتين الأمريكيتين، إلا أنهم بقوا على ارتباطهم بمدينتهم، يحبونها ويعشقون ترابها، ويتطلعون إلى العودة إليها والعيش فيها، رغم أن العديد منهم قد اكتسب جنسيات الدول التي هاجروا إليها، وبعضهم أصبح فيها مالكاً أو حاكماً، وعنده فيها شركاتٌ وتجارةٌ وأموال، لكن شيئاً من هذا لم يبعدهم عن وطنهم فلسطين، ولا عن مدينتهم الفلسطينية الساحرة رام الله.

واليوم بات فيها طيفٌ فلسطينيٌ منوعٌ، ثريٌ وغنيٌ وفقيرٌ ومتوسط الحال، مسلمون ومسيحيون متآخون متحابون ومتجاورون في المسكن والمتجر، وفي المدرسة والجامعة، وفي السوق والشركة، وفي الوزارة يتشاطرون المدينة إقامةً وعملاً، ويتقاسمون أعباء الحياة، ويواجهون بغي الاحتلال معاً، ويناضلون لتحرير الوطن جنباً إلى جنبٍ، ويضحون من أجله معاً، ولا يبخلون في سبيله بشئٍ من أموالهم أو أوراحهم ومستقبل حياتهم.

مدينة رام الله جزءٌ من الوطن وقطعةٌ من نسيجه القشيب، وبقعةٌ من أرضه المباركة ودياره المقدسة، إنها صنو الخليل ويافا، وأخت حيفا والناصرة، وجارة نابلس واللد، وشبيهة العفولة وغزة، وتحتضن البيرة وتجاور مدينة القدس، وهي لا تقل عن غيرها من المدن الفلسطينية مكانةً وقدراً، وبركةً وطهراً.

يحبها الفلسطينيون ويعتزون بها، ويشعرون بالفخر لتميزها وتألقها، لكنهم لا يرضون أبداً أن تكون بديلاً عن غيرها، أو تعويضاً عن سواها، فهي كما لا يمكن تعويضها بغيرها، أو الاستغناء عنها بسواها، فإنها لا يمكن أن تكون بدلاً عن غيرها، أو أن تحل مكان مدينةٍ أخرى، ولو كان الثمن أن تسمى عاصمة، وأن تُعرف حاضرة، وأن يصب فيها المال صباً، وترتفع فيها البنايات عالياً، وتفتح الدول فيها السفارات والقنصليات، وإليها يحج المسؤولون، ويزورها القادة والحكام والملوك والرؤساء.

القدس ليست مجرد مدينة أو أرضاً فلسطينية، أو أنها ترابٌ وجبالٌ وسهولٌ وسهوبٌ وهضابٌ، أو تلالٌ ومرتفعاتٌ وأعمدةٌ وهياكل وبقايا تاريخ وأشياء عالقة من ذاكرة الإنسان، القدسُ جزءٌ من ديننا وهي بعض إسلامنا ووقف أجدادنا، وهي إرث أسلافنا، وأمانة الفاتحين من أبطالنا، إنها آيةٌ في كتاب ربنا ومسرى نبينا ومعراجه إلى السماوات العلى، إنها أرض الأقصى قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين المقدسين، التي إليها معهما دون غيرهم تشد الرحال، ويتجه إليها الحجاج والمصلون، وهي إن كانت تشبه مدن فلسطين بكوفيتها، ولا تتميز عنها بأثواب نسائها ولهجة أبنائها، ولا تفترق عنها بأطعمتها الشهية وحلوياتها المشهورة، إلا أنها تبقى القدس التي لا تشبهها أرضٌ ولا تعلو مثلها سماء، ولا يسكنها أبداً عبر الزمان غرباء، أهلها هم الفلسطينيون الأصلاء، وهويتها هي العربية النجلاء.

جاهلون هم أولئك الذين يريدون منا أن ننسى القدس أو أن نتخلى عنها لغيرنا، أو أن نشطبها من ذاكرتنا ونغير تاريخها ونزور ماضيها، أو أن نلبسها ثوباً آخر غير ثوبها العربي الأصيل، المطرز بأيدي النساء البدوية، والموشى بألوان العلم الفلسطينية، لتلبس بدلاً عنها أثواباً يهودية مسخةً، لقيطةً مجهولة النسب، دخيلةً غير أصيلة، غريبةً غير مألوفةٍ، ما عرفها سكان القدس قديماً، ولا انسجموا معها حديثاً، ولا يريدون أن تكون هي المميزة فيها أو الشاهدة عليها، فالقدس مدينةٌ شريفةٌ، أرضها مقدسة وسكانها عربٌ أشرافٌ أقحاحٌ، لا يستبدلون بشذاذٍ آفاقٍ وافدين، ولا بمستوطنين مارقين، ولا بيهودٍ متصهينين حاقدين.

وسفهاءٌ هم أولئك الذين يريدون منا أن نشيع بين شعوبنا أن القدسَ أرضٌ كأي أرضٍ، وأنها مدينةٌ كأي مدينةٍ أخرى، وأن غيرها قد تحل مكانها وتكون مثلها وتؤدي غرضها وتقوم بدورها، وأنه يمكننا أن نعلنها عاصمةً لفلسطين بدلاً عنها.

سفهاءٌ بلهاءٌ أو هم أعداءٌ أغبياء، أولئك الذين أرسلوا رسلهم ونشروا سفراءهم وبثوا سمومهم، وطلبوا من كل المتعاونين معهم والعاملين لهم، أن ينشطوا إعلامياً وسياسياً واجتماعياً بين شعوبهم، ليهزوا المكانة الدينية لمدينة القدس، ولينفوا عنها صفة القداسة، ويشطبوا هويتها العربية، وينزعوها من محيطها الإسلامي، ويوهموا الفلسطينيين أن خيرهم والعرب في أن يتخلوا عن القدس، وأن يقبلوا بعاصمةٍ أخرى غيرها، لتُغدق عليهم الأموال، وتفتح عليهم الدنيا، وتتعاون معهم الدول المانحة، وينعم شعبهم بالخير والرخاء والاستقرار والازدهار، إنهم دهاةٌ ماكرون، وكاذبون مخادعون، ولكنهم حقاً لا يفهمون، ويقيناً أنهم لا يفقهون، إذ يعتقدون أنهم سينجحون فيما يخططون، وسيفلتون بما يدبرون ويتآمرون.

يتبع

وسوم: العدد 754