الفتنة الثامنة والمدد الرباني

هل هي ثورة مكتملة الأركان ؟ مرة ثانية وباختصار …..ليس بعد .

احتجاجات شعبية عفوية غاضبة وناقمة من عدد من الملفات المحلية والخارجية المتراكمة، إلا أنه من شبه المؤكد أن (السوشيال ميديا) لم تكن محركة لها على نطاق واسع، من ناحية التخطيط والتنظيم والحركة على الأقل. ثورات الاتصالات والمعلومات خذلت ثورة الجياع، وباتت التظاهرات كجزر معزولة عن بعضها، مما أفقد قدراتها على التواصل والتعبئة وتجنيد خصوم النظام لصالح تظاهرات قادرة على الاستمرار والديمومة .

 تُمثل الحركات الاحتجاجية الحالية أهمية بالغة، فبعد مرور / 38 / سنة على الثورة ” الإسلامية ” بدأت الجماهير مرة أخرى في التحرك من جديد . فالفوز المهم “للإصلاحيين” بقيادة (حسن روحاني) من خلال الانتخابات الرئاسية ومجلس الشورى والبلديات كل ذلك تعبير عن حالة التوقع اللا محدود، وإن كان وهمياً نحو التغيير الجوهري، الذي لم يتحقق، أو بالأحرى لم يُكتب له النجاح . 

 ما أفشل الرئيس روحاني وقبله خاتمي وأنصاره في الإصلاح الصوري هو الرغبة في التغيير بواسطة وسائل قانونية وسياسية سلمية ضمن سقف الدستور الذي يضمن هيمنة حكم رجال الدين، و هذا ما لم يتحقق فقط، بل بات يرفضه الشعب الإيراني الذي طرح في احتجاجاته شعار الخلاص من العمائم وحكم الدين وحتى من إسلام ولاية الفقيه الذي بات ذريعة للسطو على الدولة ونهب خيراتها ومقدراتها لتأخذ النزاعات مستوى جديد من الضراوة.

 يعيش نظام الملالي أزمة تتميز بالانشقاق ليس بين ما يسمى بالإصلاحيين والمحافظين، بل بين الشعب بمختلف أعراقه ومذاهبه وأطيافه ونظامه السياسي ورموزه وسياساته، و إن هذه الاحتجاجات على عفويتها تُمثل تدشين لبداية مرحلة لثورة إيرانية جديدة ستكون بالتأكيد وفق مراحل عديدة ، ونفس أطول .

 بات خامنئي هو من يقف عائقاً ليس أمام الإصلاح، بل صار يتصدر واجه لأكبر عمليات تستر على الفساد ونهب المال العام، فهو ما زال يدافع بصلافة وحتى النفس الأخير عن أكبر نخبة فاسدة سياسية وعسكرية ودينية عرفتها إيران في تاريخها الحديث، كيف لا وهي تتمترس في مواقع حساسة على طول إيران وعرضها .

 ضعف التيار الإصلاحي وخشيته من بطش خامنئي :

 أمام هذه المتغيرات يحاول الاصلاحيون, و بكل بساطة, أن لا يقفوا كحائط صد لمواجهة سياسات خامنئي والمؤسسات الثورية ؛ وفي مقدمتها الحرس الثوري ، بحيث بات وجودهم كصمام أمان لمنع خطر اندلاع أية انتفاضة شعبية ، و بالمناسبة كان للإصلاحيين دوراً مهماً في تهدئة الشارع في أعقاب انتفاضة الحركة الخضراء في العام 2009م . وطالبوا أنصارهم بضرورة ضبط النفس والتحلي بالصبر، مما يُثير كثيراً من علامات الاستفهام حول جدية المطالبة بالتغيير، وحتى الإصلاحات وسقفها المزيف .

 إن الحركة الاحتجاجية تتجه إلى ما وراء الحدود التي وضعها نفس الإصلاحيون. “لقد ذهب المتظاهرون إلى أبعد مما دافعت عنه الحركة الخضراء من تغيير سياسي واجتماعي و تجاوزوا ‘الخط الأحمر’ في تحدٍّ سياسي للمرشد والرئيس روحاني وحتى الحرس الثوري والملالي المنشغلين بجمع الخمس والمتعة وفتاوى القتل والتدمير “. والأمر الأكثر أهمية هنا هو أن الشعارات التي رفعها المتظاهرون كانت موجهة بالأساس إلى المحافظين والاصطلاحيين على حدٍّ سواء . فقد ردد المحتجون “الموت للدكتاتور ” الموت لروحاني ” و هذه أول مرة ينتقد فيهما خامنئي وروحاني معاً بشكل علني. ورفع أيضاً شعار أخر يقول: ” روحاني, خامنئي, هذا آخر تحذير”.

 في الواقع تُمثل هذه التطورات منعطفًا فعليًا. وتُسجل تغيرًا نوعيًا في الوضع العام في إيران. و ما هو مفاجئ هو السرعة التي مرت بها الحركة من مدينة إلى أخرى . هذا تعبير على أن التناقضات باتت شديدة العمق بين الشعب ومؤسسات الدولة التي تآكلت شرعيتها تماماً، إلى حد لا يمكن حلها عن طريق لا الإصلاحات ولا البرامج التي أثبتت فشلاً ذريعاً للرئيس روحاني الذي بات في واجهة الاستهداف، ولم يكن إعادة انتخاب الاصطلاحيين مرة أخرى إلا ليكشف عن ضعفهم، وعن نظرية تبادل الأدوار التي يبرع بها نظام ولاية الفقيه .

 لا شك بأن الجماهير الآن في شغف كبير من أجل التغيير، و ما الانشقاق في أعلى هرم السلطة الا انعكاس للطريق المسدود الذي بات يمر به النظام. إذ يقول الإصلاحيون بالأمس : “ان لم نقم بالإصلاح المأمول ستجدد الثورة”. وفي حين يدعي المحافظون : ” إن لم نقم بالإصلاح ستكون ثورة”. وكلاهما على صواب. فالصراع في أعلى السلطة بين مؤسسة الرئاسة، والمرشد، والحرس الثوري …..

العملاء والمأجورين :

 وصف المرشد خامنئي ومختلف الصحف الرسمية المحتجين ب’العملاء والمعادين للثورة’ وداعية الجميع للابتعاد عنهم .

 إلا أن هذه التصريحات . باتت تجعل الكثير يلومون روحاني وهياكل الحكومة على تهديد المحتجين ومطالبهم المشروعة التي برزت من خلال الاحتجاجات، ولا سيما أن هذا التهديد المدفوع من خامنئي يُشكل محاولة واضحة لترهيب الإصلاحيين أنفسهم اللذين لا يختلفون عن المحافظين في شيء .

 لا شك بأنّ أثر هذه المظاهرات حدا بالإصلاحيين إلى ممارسة النأي بالنفس عن المشاركة في الاحتجاجات، وضمان بقاء أنصارهم ومن يوجهونه بعيداً عنها، بل والتنصل من المتظاهرين، والمطالبة بتغليظ العقوبات عليهم بل وقمعهم .

المدد الرباني والمهدوي أنقذ إيران

 طالعنا اليوم مستشار إيران الثقافي في الجزائر (أمير موسوي) بمقال يشرح فيه طبيعة المدد الإلهي الذي يظهر فجأة دوماً لمعاونة إيران على وأد الاحتجاجات ، يقول موسوي ” الفتنة الأخيرة هي الثامنة في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ عام 1979، وهي أصغرها وأقلها تكلفة على الشعب والنظام الديموقراطي الإسلامي في إيران مهما حاول الإعلام الغربي والعبري والرجعي والتكفيري تضخيم ذلك وتلفيق الصور والأخبار عنها”، يضيف موسوي والكلام على عهدته ” كل هذه وغيرها من الأمور ساعدت على إخماد هذه الفتنة التي أريد بها الانتقام من الشعب الإيراني ونظامه السياسي الذي أسقط مخططات ومؤامرات محور الصهيو أمريكي التكفيري الانبطاحي في المنطقة، والذي صرفَ على تحقيقها مئات المليارات من الدولارات، وجند لها كل مرتزقة العالم وعملائه.يخلص بأن “المدد الرباني الدائم الذي لمسناه في كل مراحل الثورة الإسلامية منذ انطلاقتها عام 1962، وانتصارها عام 1979 ، والصعوبات والمشاكل التي مرت بها حتى الآن ودعاء الطيبين في العالم.” أما المرجع الديني آية الله العظمى حسين نوري الهمداني، فقد أضاف إلى المدد الرباني مسألة المدد “المهدوي ” التي كان لها دوراً مهماً في وأد الفتنة، ونشر الأمن والطمأنينة لحماية الثورة ومكتسباتها من المؤامرة الاستكبارية، فكان لهم إمام الزمان بالمرصاد لإحباط المخطط الكوني البائس، متوعداً أن المهدي سيكون إلى جانب الخصوم في معركتها القادمة ” .

 إن حقيقة أن الاحتجاجات قد انتشرت كالنار في الهشيم في المدن الأخرى وخاصة المناطق المنتجة للنفط ” الأحواز ” والتي تمثل موطناً للأقلية العربية، ولا بدّ وأنه قد بعث برسالة مهمة إلى النظام، لنتذكر أن الضربة الحاسمة ضد الشاه في 1979 كانت من عمال النفط العاملين في إقليم الأحواز . التي يعاني سكانها من استهداف، وتهميش، وقمع …، ونقص في الخدمات، وفقدان العدالة الاجتماعية والتوزيعية، وممارسة سياسية تميزيه عنصرية، مما يجعلها أخصب بيئة لمعارضة السلطة، ونقطة انطلاق لتدمير مدافع (أية الله خامنئي.

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 754