انقلاب 11 جانفي 1992.. رجال ومواقف
مرّ على انقلاب 11 جانفي 1992 بالجزائر لحدّ الآن 26 سنة أي ربع قرن مرّت على الأحداث الأليمة.
يعترف صاحب الأسطر أنّه عرف بوضياف وآيت أحمد إثر موقف كلّ منهما من الانقلاب، وخاتمة المرء وإن كانت لاتغني عن بداياته إلاّ أنّها تقدّم صورة ناصعة عن حقيقة الأيام الأولى التي غابت عنك.
آيت أحمد أعلنها وبصريح العبارة أنّه ضد الذين فازوا في الانتخابات ويعارضهم الغاية ويختلف معهم في تفاصيل كثيرة عديدة ولا يلتقي معهم في نقطة مشتركة، ومع ذلك حين تمّ الانقلاب صاح في وجه الذين استعانوا بالدبابة لكسر الصندوق: أنا ضدّ هؤلاء في كلّ شيء وفوزهم يحزنني لأنّهم سيحكمونني، لكن أحترم إرادة الصندوق التي أنجبت من لاأحبّه ولا أرضاه، وأبقى أستنكر الاستعانة بالدبابة لقهر إرادة المجتمع، وظلّ على هذا المبدأ الرفيع المتين إلى أن لقي ربّه، يرفض حكم الدبابة ولو كانت لكسر خصمه الذي لايلتقي معه. وظلّ على اختلاف مع بوضياف رغم أنّه زميله أيام اندلاع الثورة الجزائرية، ويكن له الاحترام باعتباره من 22 الذين فجّروا الثورة الجزائرية، وفضّل مبدأ احترام إرادة الصندوق ورفضه للاستعانة بالدبابة على الزمالة والأخوة والتاريخ الثوري لبوضياف.
وبوضياف الذي جاء على ظهر دبابة، فقد تعرّض في حياته للسجن إبّان أيام السنوات الأولى للاسترجاع السيادة وذكر ذلك بالتفصيل في كتابه : "OU VA L’ALGERIE"، وسبق أن قرأت الكتاب سنة 1991-1992 فيما أتذكر وعرضته يومها عبر أسبوعية "الصح – آفة" الساخرة الخالدة أيام حكم بوضياف ، فما كان منه إلاّ أن اعتقل وأعاد فتح معتقلات الصحراء لأبناء الجزائر الذين لم يدخلوه السجن، ولم يكونوا ضدّه يوما، فأخطأ الوجهة فأساءت أيامه الأخيرة لأيامه الأولى والتي كان له الشرف حين كان ضمن قائمة 22 التي فجّرت الثورة، وهي في العرف الجزائري من أعظم وأشرف القوائم وأفضل الرجال الذين شهدتهم الجزائر لأنّهم وهم في عزّ الشباب واجهوا الاستدمار الفرنسي بصدور عارية وقلوب ثابتة وإيمان صادق وإقدام خارق.
وكشف انقلاب 11 جانفي 1992 عن المعدن النفيس لعبد الحميد مهري الذي ظلّ يرفض حكم الدبابة رغم أنّه المستفيد الأول باعتبار أنّها ستكون في صالحه وتعيده للمرتبة الأولى التي خسرها لأوّل مرّة في تاريخ الحزب وتاريخ الجزائر، لكنّه ظلّ على موقفه الرافض للاستيلاء على الصندوق.
ومن خلال انقلاب 11 جانفي 1992 تبيّن للمجتمع الجزائري عظمة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، فقد كان أوّل من سمح للجزائريين بالتعبير عن آمالهم وآلامهم عبر الصندوق، ورضي بنتيجة الصندوق التي كانت مخالفة تماما للتوقعات ولم يفعلها أحد في ذلك الوقت من ملوك ورؤساء العرب، ويكفيه فخرا أنّه أوّل رئيس جزائري نادى بالتعدّد واحترم التعدّد وقبل الإقالة من منصبه دون إراقة قطرة دم من دماء الجزائريين الغالية ولم يتشبّث بالكرسي.
قد يقول قائل: وأين الشخصيات الأخرى التي استعانت بالدبابة؟، يجيب صاحب الأسطر: يترك ذلك لمناسبة أخرى بإذنه تعالى.
وسوم: العدد 755