دواجن

المحاور:

- الدواجن بحسب عدد من القواميس هي ما اعتاد الإقامة مع البشر من الطيور، أو الحيوانات عموماً، وهذا ما أكده ابن حجر رحمه الله في شرحه لكلمة (داجن) الواردة في حادثة الإفك المشهورة، وإن غلب على الإطلاق حصرها بالطيور، وبالدجاج تحديداً.

- رضي البشر بالدواجن ضيوفاً حولهم لما يستفاد من لحمها وريشها وبيضها .. فهي أليفة من جهة أنها لا قدرة لديها على مقاومة من يأخذ بيضها أو ينتف ريشها، أو حتى من يقوم بذبحها، وهي مفيدة من جهة إنتاجها المتنوع والضروري لحياة البشر.

- قبل البدء بكتابة محاور هذه الرسالة، ولأنني لست متخصصاً ب"تربية الدواجن"، رجعت إلى عدد من المواقع التي بحثتْ في هذا الأمر، وأخذتُ بعض الفوائد، منها؛ أن متوسط عمر الدجاجة (٧) سنوات إذا سلمت من الأمراض والذبح، وأن متوسط انتاجها السنوي للبيض في الظروف الطبيعية (١٨٠) بيضة، وعند تحسين ظروف معيشتها قد تعيش إلى (١٠) سنوات، وتنتج في العام (٣٠٠) بيضة. 

- لفت انتباهي كلمة "تربية" التي تسبق كلمة الدواجن، والتربية هنا ليس بمعنى التوجيه والتقويم والوعظ، وإنما هي بمعنى الحفظ لغايات التسمين، بقصد تحصيل انتاج أكبر من اللحوم أو البيض، والسؤال هنا: هل أصبحت التربية للبشر في المدارس والجامعات الْيَوْمَ لهذا الغرض، لاسيما ونحن نرى مخرجات متردية من الأجيال السمينة؛ بلا روح تسري ولا فكر يروي؟!!.

- وهل أصبحنا نعيش دورة حياة الدواجن من جهات عديدة منها:

1. أنه سُمح لنا العيش إلى جانب الأسياد أو في مزارع يملكونها، لا لأننا نتساوى معهم في الحقوق والواجبات، وإنما لأنهم لا يستغنون عنا في وجباتهم الغذائية؛ فهم يطلبوننا عند إفطارهم (البيض)، وعند غدائهم (اللحم)، ويصنعون منا مرقاً (شوربات) يُسهِّل هضمهم وما يأكلون.

2. أن أسياد المزرعة لا يقدرون كبارنا لأنهم لا ينتجون البيض ولأن لحمهم لا يستساغ (عتاقي)، فالكبير في عيون الأسياد رخيص، بل هو عبء عليهم، لكنهم يطحنون لحمه بعد ذبحه ويستفيدون منه بطرق ملتوية، ولا يذكرون فضله القديم!!.

3. أنهم يستكثرون علينا العلف الذي نأكل والماء الذي نشرب، فيطعموننا الرديء، على الرغم من أنهم يعلمون أننا نستهلك لننتج، وقد نتفوق عليهم في هذه الخصلة لأنهم يستهلكون ولا ينتجون.

4. أنهم يستعجلون نمونا، ويودون لو أننا نكبر بعد يومين من فقسنا، لندخل في دوائر خدمتهم ومنافعهم، فنراهم يحقنون أفراخنا (أولادنا) بهرمونات (مناهج وبرامج) جعلت لهم أوزاناً ثقيلة، وأجساداً مفككة متهالكة، وعقولاً صغيرة، وقلوباً شاردة.

5. أن هؤلاء الأسياد يتمنون لو أنه ما بقي في المزرعة ديك واحد .. لأن الديك صوته يزعجهم، ولحمه لا ينفعهم، وهو لا يبيض لهم .. لكنه (الملقِّح) للدجاجات، ولا غنى عنه في تلك المقامات، فهم يبقون في كل مزرعة أدياكاً بعدد أصابع اليد الواحدة، ويجعلون العيون عليها، حتى لا تأخذ أكبر من حجمها، وتظن أن المزرعة لها، وإن رأوْا من ديكٍ تمرداً؛ عزلوه أو ذبحوه أو باعوه.

6. لا علاقة لنا نحن كدواجن بما بإدارة شؤون المزرعة وإن باعها أصحابها، فنحن نؤدي الغرض نفسه وإن تنوع الأسياد علينا، واختلفت الجغرافيا من حولنا.

7. نحن نورث طباعنا لأحفادنا، وقد استقر في أعماقنا أن الدجاج لا يمكن أن يبيض آساداً ونموراً ولا حتى صقوراً ونسوراً، مثلما استقر في ضمير الأسياد أن ذبحنا ونتفنا وسلخنا وتقطيعنا واحتساءنا حلال .. ولكن بعد التذكية (التسمية)، فهل يا ترى يسمون علينا اليوم عند ذبحنا؟!!

8. نحن حتى في الطموح لا طموح لنا .. هل نطمح مثلاً أن نطير .. وإن طرنا فإلى أين المصير .. إلى مزرعة خراف أو أبقار في الجوار .. نداس حتى بأرجل مَن ينتظرون دورهم للذبح والسلخ والتقطيع؟!!.

9. نحن نتكلم كلاماً مكرراً وبنغمة واحدة، يشبه تماماً (نقنقة) الدجاج، ولا يكسر روتينه المزعج أحياناً إلا (صياح) الديك خصوصاً في الصباح.

10. ولا تسلني عن صناعة وتربية الديك .. لأنها عملية مبكرة .. لا يجوز فيها التأخير القبيح .. لأن الديك الفصيح في البيضة يصيح.

- قد يستغرب البعض من تشبيه البشر بالدواجن وأن هذا لا يليق، باعتبار أن الله تعالى (خلق الإنسان في أحسن تقويم)، لكنني أقول بأنه سبحانه شبَّه بعض البشر (بسبب ما وصلوا إليه من أحوال وطبائع وصفات) ببعض الحيوانات القبيحة، لا بالدواجن الأليفة، ومن ذلك، قوله سبحانه:

1. (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) (الجمعة).

2. ( .. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) ﴿الأعراف﴾.

3. ( .. كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) ﴿العنكبوت﴾.

- بل إنه سبحانه وتعالى مسخ قوماً فصاروا حيوانات قبيحة، قال تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيل) (المائدة).

- ليتنا نكون كالأسود في شجاعتها، وكالصقور في تحليقها، وكالعصافير في خفتها، وكالغزلان في رشاقتها، وكالخيول في عدْوها، بل كالرواحل من الإبل في القدرة على إتمام وظيفتها.

- وختاماً: هل نأمن من مكر الله تعالى أن يمسخنا على الحقيقة إلى صورة دواجن؛ إن نحن لزمنا صفاتها وتطبعنا بطباعها، وعشنا على أعلافٍ فاسدة، وبقينا ننتظر دورنا في المسلخ؛ فلم نرفع قبل الوفاة رأس (ديك) يوقظ للصلاة، ويغار على الأعراض، ويكون سبباً في الإنتاج، ولحمه مُرٌّ .. ولا يقبل لغريبٍ أن يَمُرْ ؟!!.

وسوم: العدد 755