أنا.. وأنت.. والدير
يوم .. ومنذ سنين عديدة ، رحل مبكراً الأستاذ الأديب (مصطفى غدير) إلى جوار ربه رحمه الله ، وفارق مدينته التي أحبها عاشقاً بكل ما فيها ، كتب فيها قصيدة صادقة جميلة ،كما كان صادقاً ودمثاً مع كل الذين عرفوه وصاحبوه .. كان رحمه الله استاذي بمقرر الأدب العربي في اعدادية وثانوية أمية بديرالزور في سورية ..
كتبت كلماتي هذه بعد أن انتشر خبر وفاته حينها.. وهاهي بمشيئة الله تخرج من خبئها .. وقد كان ما كان وما حل بالمدينة من بعد ذلك ...
لوعت فؤادي إذ تحرك
الوجد فيه ..
وأنا المتهم بدفن حنانيَا
من أحرف أنفجرت ندى
انساب على أهداب لسانيَا
كلماتك ظننتها حصى
تتقلب بألوانها ..
على شواطئ الفيروز فراتيَا
جمعتَ الهوى والعشق من
بين أزقة الدير الباديَا
وقلت ذاك طِيبٌ من أحبة
هُم وأنا وما سقا الفرات ترابيَا
لم أدري ما بالدير يا مصطفى
كحبك ظلّ فيها صافيَا
أغار منك وأنت الصفا
في السما والماء وحلكة لياليَا
تروح ريحًا تعود سمومًا
كله بين البرد والحرّ انتمائيَا
غاصت مهجتي بين فواصل
أبياتك والسنين .. بينهما
أنفذ من يومها صبرعتابيَا
رأيتك والدير مثل أسيرين
بين الفرات والعجاج كدائيَا
مذ كُنتُ يافعًا أسمع منك
الأنّات تتهاوى والحزن باديَا
جمعتني فيك الأقدار متواريًا
رؤى غربة ثقيلة قضّت سباتيَا
حلمتُ بعودتها طفرة يومًا
فحال دونها عتق شبابيَا
كتبتُ في أسطري لك وصية
لا تطلب الردى يأسًا وأنت
الوارد في تل الدير خاليًا
فمهلًا يا مصطفى فرُبّ أمنية
تزهر صبّارة برمل صحرائيًا
فذاك البعد منك والدير يومها
كما الحدُّ يتهادى بماء الشاطيَا
وما كان إلّا نبض صبا يخبو
إذ لم أزل أحبس فيض أنفاسيَا
فأنت والدير أراكما لها ظلًا
تهوي إليهما الروح باغترابيَا
بالقرب منها يحيا شذى حرّ
وبرد قارس في بعدهما أقاسيَا
قلت فيها وأجزلت في وصفها
هي الدير فاتنة ومنها المعانيَا
فلا أدري وقد فارقتها مبكراً
فلعل الله يبدلك جنات وحواريا
اليوم هاهي ركام وأطلال
وكم كنت بالدرس تتغنى
(بقفا.. ومعلقة زهير وشداديا )
أنا وأنت والدير أصبحنا بأطرف
من الفرات في غربة لا تلاقيَا
مصطفى النذير النبيّا
كم كنت تجاهر في حبه
وهو الغريب كان في أهله
بمكة إذ جاهر علانيا
فلهفي على دمعة تتلألأ (بردّتها )
وأن أطوى والأحبة بقربي
وكل ما طوت بتربتها بغيابيَا
وسوم: العدد 884