رحلة حول النافذة
رحلة حول النافذة
آلاء غزال
منذ زمن بعيد لم اجلس على درجات المنزل
لم اعد أراقب طابور النمل وأطعمه السكر
لم ألحظ تغيّر شجرة الدرّاق ولونها الأصفر
لم أعد أشتمّ في الباحة رائحة ياسمين وعنبر
حتى الّليمونة في الحديقة لم تعد تثمر !!
كنا فيما مضى ..
ننتظر طلعة الشمس وبزوغها
كي ننتشر في الحيّ ونلعب
نرسم على الشوارع .. بطباشير بيضاء ونطرب
لأصواتنا الرقيقة ونُحدث أحلى شغب
نقرع أجراساً .. ندقّ ابوابا ونهرب
همساتٌٌٌ طفولة .. ضحكات خجولة
كيف كنا نبتسم في تلك الأوقات؟؟
يغمرنا الفرح .. تمتلأ بنشوتنا الطرقات
نشدو .. نلهو .. نطير كالفراشات
أين مضت يا أحبّة .. كل تلك السويعات؟؟
أشتاق لرائحة خبز على " الصّاج " من تلك العجوز
لإبرة .. وخيوط حرير تنساب على ثوب فلسطيني
لأوتار عود خشبي قديم .. ذو لحن شجيّ
لعنقود عنب .. لحبات توت .. وزهر نديّ
تحت شجرة الجوز أخذنا غفوة
حلمنا مليّاً .. وكثيراً هذينا
تسلّقنا أغصانها وسقطنا
قلوباً .. أسهماً .. ذكريات رسمنا
على جذعها وأسماءنا حفرنا
محته أغبرة الزمان وكان ما كانا
كبرنا .. ثم كبرنا
فكبرنا
كنت أمنّي النفس بالكثير
وقدمي الصّغيرة تتابع المسير
أترى تتحقق الاحلام ؟؟
لم اكن اعرف معنى الأوهام
لكن آمالي أضحت كفعل كان ..
ماض .. وماض .. عفا عليه الزمان
كنت دائماً أتمنى ..
أن أجلس في " مقهى " الرّجال !!
أحتسي كوباً من الشاي الأسود
أستمع " للحكواتي " الدّمشقي
وأحمل سيفاًَ من صنع يمنيّ
فأسترجع به طيف إنسان عربيّ
ولكن ...
أمسى كل هذا محال !!!
كنت أتطلع ليوم يأتي ..
ألمس فيه جدرانك يا قرطبة
أصلّي في مساجدك المهجورة
ألملم أوراق ازهارك المبتورة ..
ادون في مذكّرتي تاريخ رحيل أندلسي
وألصق في ألبوم صوري لوحات عشق منسيّ
في بلنسية .. فصول ربيع
مقامات .. أشعار .. أدب وبديع
خضرة .. قصور .. طيور حب وينابيع
وستارة أسدلت على مسرحك يا حبيبة
في صغري ..
كنت أستشرق املاً قادم
وفجراً باسم
كنت أمسح حدودنا العربيّة عن الخريطة
واحاول رسم جغرافيّة جديدة
بلا حدود .. بلا اسيجة من حديد .. بلا قيود
وألغي جوازات السّفر !!
شوق وحنين ..
ينتابني كلّ حين
لأحباب مضوا راحلين
لذكريات ... بشذى البراءة تاركين
عمراً حييناه معاً ..هائمين .. فرحين
أترى يعود ؟؟ ولو بعد حين ؟؟
أنعود ؟
لنتشاجر .. ونتراضى .. فوق التلّة الخضراء ؟
نصنع طائرات ورقيّة .. ونرسلها في السماء
نسرق وروداً صفراء
ندفن تحت الشجرة .. قروشاً حمراء؟؟
تلك صور وأطياف استرجعتها
أيقظتها في مقلتيّ نملة لمحتها
أثقلت كاهلها حبة قمح وأتعبتها
في رحلة حول النافذة دحرجتها
فثارت في مخيّلتي أغبرة الصّغر !!
أي جنون كان يعترينا يا طفولة ؟
عبرت ذكراه حين أخذت قيلولة
على كرسي خشبي .. في شرفة المنزل !
إهداء :
إلى شقيقة أضحت بعيدة
كذبت عليّ في صغرنا .. كذبة غريبة !!
قالت لي : قزمٌ بلحية فضيّة وجزمة عجيبة
بين الصخور وأميرة شريدة !!
بحثتٌ
وبحثتٌ
لم أجد أيّ أقزام ..
ولم أدرك أنها كانت .. كذبة طفولة جديدة !!