سماء لا تقترب وارض لا تكفي
محمد طالب الأسدي
شاعر وناقد وأكاديمي من العراق
حاصرتُ علامات الإستفهام
في شارعٍ مظلم ٍ
فهاجمتني سكاكين الإجابات
كثرت عثراتي
أتلفْتُ قدرةَ الكلمات
في الهروب المستحيل من النص
من أين لي أن أراك أيها السرُّ
وزبد الوهم يموج
وزورقي قلبٌ مثقوبٌ
من لي بقدرةٍ لا يحدها الألمُ
من لي بسماء تمنحني مفاتيحها
علقتُ بمنزلتي
بين سماء لا تقترب
وأرض لا تكفي
علقتُ بين روح تضرمها الحدوس
وصلصال تغزوهُ إناثٌ معاصرات لخصوبته
علقت في ضراوة ارنبين
تتيه قافلة شغفي بواحدهما عاماً
وكلما تجتازه .. تعود إليه
حفظتُ تضاريسه و أحكام مرتفعاته
فهمتُ نرجسيتـَه جيدا
صنعت منه كتابا ومحرابا
دميةً لطفولةٍ لا تهرمُ
في حرائق روحي
بين سماء لا تقترب
وارضٍ لا تكفي
غمرني رمل الكلمات
تراث مهيب من الشقاء
في منفى الأحاسيس
من أين لي أن أراك أيها السر
والعتمة تزحف نحوي
وعيناي معلقتان بمسمار شوق عتيق
قهرتني الرؤيا
عصفت بمآذني
وأفراحٍ صغيرة
أصنع منها مباهج لا تنتهي
تسلقني عمى الأزاميل
غطتني عناكب الأزمنة
حتى استحال تمثالي المتآكل
كتلة من خيوط العنكبوت
وعشعشت غربانٌ فادحةٌ
في قفص الصدر
أنا مرعب ٌ لمن يراني
وشيئا فشيئا
أدخل في عتمة تفترس العالم
من لي بذاكرة لم ترَ هزيمة الإنسان
فرارَ قطيعه المنهك من الحراب
محوَ أجيال بتراب الثكنات
احتراق ممالكه العزلاء
تحت منجنيقات الرحمة
من يزيل رائحة الموتى من ذاكرتي
ولوحات الموت السريالية
أنا الإنسان المتطلع الى وجه الحقيقة
في غابات الشبهات
خيط الدم القادم من أقدم الضواري
عالقا بالمكان
أرمم تأريخه
أبنيه بما تيسر من خراب
برأيي المجهول
أقدم نفسي للقارئ الخفيِّ
المصاب مثلي بالغثيان
أمنحني مباركة القلق
أنا شجرة الصمت الكبيرة
أهَب فاكهة البوح
الشجرة العالية في الزوال
الإنسان الأول
بغير اسم ولا كلمات ضخمة القياس
بغير مصابيح ولا لغة
أنا الجرأة البريئة
في جهامة الغابة
أبصرت مسافة بلا دنس
أبصرت ما أبصرتُ
سابحا في بحيرة من أخطاء آبائي
بكثافتي الأقل من الحلم
متشبثا بالإنسان في شتاتي
أتقنت مرانة الأسلاف على الإختفاء
متُّ مرةً أو مرتين
ولا يشتهي الموتَ من ذاقه
تيبس قمرٌ كنتُ أعددتهُ
لظلام وشيك يفترس العالمَ
منذ أول درس للحياة .. عرفْتُ الحقيقة َ :
مجازَفة ٌهي طاعة الرؤى ؟؟
باهظةٌ هي القصيدةُ
فالفراغات تفترِس من يضيفون شيئا
الكائنات المجوفةُ لا تعمل
ولا تحب من يعملون
مخلوقةٌ لصنع الفضلات
والإمتلاء بها
للمفاضلة بين التفاهات
في الرحيل إلى القصيدةِ ..
تعثرتُ بأغنية تصهل أشرعتها
تعثرتُ بنساءٍ لا يُنسَيْنَ
تعثرت بأسئلةٍ متعبةٍ
تعثرت بقصائد قاتلة
تعثرت بحكمة آبائي
تعثرتُ بإيقاعاتٍ ربانيةٍ
أنهضني فضولٌ ومحبة
أنهضتني أيادٍ لا مرئية
أنا العربيُّ السحيق
العراقيُّ الحجازيُّ
الشاميُّ المصريُّ
المشرقي المغربي
كتلة العلامات
السابحة في بحر الرموز
توصلتُ إلى رياضيات صعبة
ثملت بكلمات لا تموت
ثملت بأنثى تتقن تفكيكي
أنا البنية المتدهورة في هرم الدلالات
قائد الخارجين عن النص القبلي
أنا المتغطرس في قلقي
من قصيدة لا تنسخ ما قبلها
مؤيدا بالأطفال والصوفيين والصعاليك
آخر الفحول في الزمن الغذامي
بلغتُ مرحلة الرمل الأسود والسماء الحمراء
على براقٍ مصابٍ
تتسع الصحراء بروحي
أتصحر في أرباع العطش الخالية
ويسرق الزمن اللص حبيباتي
تخوى جرار النور والخمر سريعاً
فضاء من الغثيان
ومراحل مرعبة
مرارا سألت الرماد
المتفاقم في بوصلتي
باحثا عن الباب في جدران الرمل
أتذكر محض رملٍٍ
سيبتلع الرملُ أيَّ فتىً
هل أضيع هنا ؟
ثملا بالقصيدةِ
فراشي الأرض
وغطائي طيف الحبيبة
تمنحني الرؤيا مرتبة اللامرئي
سليل اللامرئيين
أحلم بالقصيدة القادمة
قصيدة تليق بكل هذا البهاء